[مؤازرة الصالحين قدر الاستطاعة]
علينا عباد الله أن نحرص على الصحبة الصالحة المعينة على هذا الطريق كما حرص عليها أولئك النفر، فقد جاء أعرابي فرأى ما هم فيه، فأحبه وهو يعلم أنه لا يستطيعه، فقال: (يا رسول الله! الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت).
انظروا إلى هذا الإعرابي الذي جاء من غنمه وباديته وهو يحب أن يفعل ما يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولكنه يعلم في نفسه العجز عن ذلك، فقال: (يا رسول الله! الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟! قال: أنت مع من أحببت).
فإذا حرص الإنسان على أن يحقق أمر الله في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:١١٩]، حرص على أن يكون مع الصادقين، فإن الله يرفع مقامه ومنزلته بذلك الحرص ويكون هو من المؤازرين إن لم يكن من الذين يحملون الثمر، فقد ضرب الله هذا المثل لهذه الأمة في الإنجيل فقال: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:٢٩]، فالزرع يخرج شطأه في البداية فتخرج السنبلة التي تحمل الحب وهي ضعيفة ملتوية، لكنها يحيط بها السنابل من كل جانب، وتلك السنابل لا تحمل الحب لكنها تتحمل الضربات عن السنبلة التي تحمل الحب، فتحول بين الطفيليات وبين الوصول إلى الحب، وتؤازرها في وجه الرياح، وبذلك تكون مشاركة، فمن كان عاجزاً عن أداء عمل لكنه يستطيع أن يناصر أهله بما يستطيع، فإن ذلك كاف في تحقيق مأموله والوصول إلى مراده، حتى يكون: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح:٢٩].
إن علينا عباد الله أن نعلم أن هذا الزمان الذي نحن فيه زمان الفتن المضلة التي لا يبقى بيت حجر ولا مدر إلا دخلته.
فعلينا أن نستعيذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن نحاول النجاة منها، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بتمسكنا بالهدي الأول، وأن لا نتجاوزه، وأن نحرص عليه جميعاً، فقد وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيام بين يدي الساعة المتمسك فيها بدينه كالقابض على الجمر.
إن ما ترونه اليوم هو الغربة الثانية التي أخبركم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء).
(طوبى للغرباء) إما أن تكون خبراً وإما أن تكون دعاءً، فقد تحمل على الخبر، فمعناه أنهم قد طابوا، وأن الله اختار لهم طوبى، وهو إما مقام في الجنة أو منزلة عظيمة عند الله.
أو أن يكون ذلك دعاء من الرسول صلى الله عليه وسلم ودعاؤه مستجاب، فقد دعا لهم بأن يطيب ما هم فيه من أمور الدنيا، وأن ينالوا تلك المنزلة العالية في الجنة يوم القيامة.
إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن خير كثير يكون في آخر هذه الأمة، وخرج إلى المقبرة يوماً فأخذ عوداً فنكت به في الأرض، فقال: (وددت لو رأيت إخواننا، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟! قال: بل أنتم أصحابي، وإخواني قوم آمنوا بي ولم يروني، للواحد منهم أجر خمسين، قالوا: منا أو منهم؟ قال: بل منكم، إنكم تجدون على الحق أعواناً ولا يجدون على الحق أعوانا).
إننا لم ندرك صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي أفضل وأسمى وأكمل، فعلينا أن نحرص على إدراك أخوته حتى نكون من إخوان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا به ولم يروه، فهم الذين يتحقق فيهم الخير الآخر الذي يكون في هذه الأمة.
فهذه الأمة لن تعدم خيراً، وسيكون في آخرها خلافة على منهج النبوة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقوم الساعة حتى يقوم اثنا عشر خليفة، وقال كلمة فأسر بها، قال جابر بن سمرة فسألت أبي، فقال: كلهم من قريش).
وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تلك الخلافة على منهاج النبوة كما في حديث حذيفة بن اليمان في مسند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تكون فيكم النبوة ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة).