الوسيلة السادسة من هذه الوسائل: وهي ثانية من الثلاث في هذه الآية، قوله:{وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}[النحل:١٢٥]، والموعظة خطاب للعاطفة، وتنبيه للإنسان على ما كان غافلاً عنه بإحياء ضميره، ونفض الغبار عنه.
والإنسان فطره الله في الأصل على فطرة الخير، ولا تزال كوامن الخير فيه ما لم يمت قلبه، فتحريك تلك الكوامن الخيرية فيه إنما يتم بالموعظة الحسنة، ولا تكون الموعظة حسنة إلا إذا اختير لها الزمان والمكان والموضوع والأسلوب واللغة، فكل ذلك هو الذي تكون به الموعظة حسنة، فإذا كان الإنسان في أوجِ شهوته وإقباله على المعصية، فليس ذلك الوقت مناسباً لوعظه في الانزجار عنها، بل وعظه حينئذٍ يقتضي أن تأخذه العزة بالإثم، ولهذا أمر الله بالإعراض عن أصحاب المعصية في ذلك الحال فقال:{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[الأنعام:٦٨].
فلابد من الذكرى لكن لا تكون في وقت الخوض، ثم بعدها إذا أعرضوا عن الذكرى ولم يستمعوا ولم يستجيبوا يهجرهم الإنسان بعد الذكرى، {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[الأنعام:٦٨].
والموعظة هي إقناع للإنسان عن طريق عاطفته، والعاطفة مؤثرة في الناس تأثيراً بالغاً، لكن بعض الناس قد لا يتأثر عاطفياً فيحتاج إلى الإقناع عن طريق المجادلة.