أولاً: الصبر عن معصية الله: بأن يصبر الإنسان نفسه عن المعصية، فيلجمها بلجام التقوى، ويمنعها أن تقع في المعصية أو أن تحبها، أو أن تتعلق بها من أي وجه، وذلك مقتضٍ منه لكراهيته لكل ما كرهه الله له، وهذا النوع من الصبر ثلاثة أقسام: الأول: يصبر القلب بأن لا يحبها وأن لا يتعلق بها، وأن لا يجلس في مجالسها، وأن لا يجالس أهلها وأن لا يأنس بهم، فذلك كله يرجع إلى القلب والعاطفة.
الثاني الصبر عما يتعلق بمباشرتها وممارستها، فلا يقربها ويقوي وازعه الديني الذي يمنعه من مزاولتها ومواقعتها.
الثالث من الصبر عن المعصية: سرعة الإقلاع إذا استزله الشيطان إليها، والرجوع والتوبة:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ}[الأعراف:٢٠١ - ٢٠٢].
والإنسان مطالب بتقوية الوزاع الديني الذي يمنعه من الوقوع في المعصية، بأن يعظ نفسه ويذكرها ويحاسبها، وقد روي عن إبراهيم بن أدهم رحمه الله أن رجلاً أتاه فقال له: إن نفسي لا تطاوعني في ترك المعصية فعظني، فقال: إذا أردت أن تعصي الله فاذهب إلى مكان لا يراك فيه فاعصه، قال: كيف أختفي منه وهو يعلم السر وأخفى، لا تحجب عنه سماء سماءً ولا أرض أرضاً، ولا جبل ما في وعره، ولا بحر ما في قعره.
فقال: كيف تبارزه بالمعصية وهو يراك وأنت تعلم قدرته عليك؟ فقال: زدني رحمك الله.
فقال: إذا أردت أن تعصي الله فاخرج من كل نعمة أنعم بها عليك وردها عليه ثم اعصه.
قال: كيف أرد عليه نعمته وأنا من نعمته: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ}[النحل:٥٣]؟ قال: كيف تأكل خيره وتستعين به على معصيته، إنه اللؤم؟ قال: زدني يرحمك الله.
قال: إذا أردت أن تعصي الله فاخرج من أرضه وسمائه واعصه.
قال: إلى أين أخرج من أرضه وسمائه؟ قال: كيف تعصيه في بيته وتحت سلطانه وإمرته وأنت ضيف عنده، إن ذلك غاية ما يمكن من اللؤم؟ فلهذا لا بد أن يعظ الإنسان نفسه ويزجرها حتى يقوي وازعه الذي هو برهان الله في قلبه، فيمنعه من الوقوع في المعصية.