الجناح الثالث من هذه الأجنحة هو: الحفظ: فالعلم لابد فيه من الحفظ لمتونه، فإذا كان الإنسان فاهماً لكل شيء ولكنه لا يحفظه فهو بذلك يكون آلة فقط، ليس معه رصيد ولا أساس، فهو مثل جهاز الهاتف الذي ليس له شريحة؛ فلذلك لابد أن يحفظ الإنسان متون العلم وكتبه، ولاحظوا أن الذين يحفظون القرآن يتميزون على من سواهم فهم أولى بالإمامة، (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهم أولى كذلك بالتقدم في أمر الدين:(يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، وينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)، والذين يحفظون السنن، ويحفظون كتب العلم، هم الذين يحفظونه على الأمة، وهم الذين مثل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقعة التي أمسكت الماء على الناس فسقوا ورعوا وزرعوا، وهذه لاشك أنفع وأكثر فائدة من غيرها؛ ولذلك فإن الشافعي رحمه الله يقول: علمي معي حيث ما يممت يتبعني قلبي وعاء له لا جوف صندوق إن كنت في البيت كان العلم فيه معي أو كنت في السوق كان العلم في السوق وابن حزم رحمه الله يقول: فإن يحرقوا القرطاس لا يحرق الذي تضمنه القرطاس بل هو في صدري يسير معي حيث استقلت ركائبي ويمكث إن أمكث ويدفن في قبري فحفظ العلم والمذاكرة فيه حتى يرسخ في النفوس من أجنحة العلم التي يحتاج إليها الطالب حتى يصعد بها.