للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجرائم سبب للهلاك العام الذي لا ينجو منه إلا من نهى عنها]

إن الأخذ على يد المجرم ومنعه من جريمته أول مستفيد منه هو الآخذ على يد المجرم؛ لأنه ينجو بنفسه وينجي أهله من عذاب الله وعقوبته، وإن الذي يظن أن السعي للحيلولة دون الإجرام هو تدخل في الشئون الداخلية، وأنه مما لا يعني الإنسان وينبغي تركه، جاهل بمقتضى الواقع؛ لأنه بمثابة الإنسان الذي في السفينة في عمق البحر ومعه راكب يراه بعين بصره يخرق السفينة لتغرق بأهلها، فهل تدخُّله هنا تدخل في شئون الغير؟! هو تدخل في شئون النفس؛ يريد إنقاذ نفسه؛ ولذلك أخرج البخاري في صحيحه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فكان بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، وقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا.

فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً).

وقد قص الله علينا في كتابه قصة قرية من بني إسرائيل كانت حاضرة البحر، فحصل فيها الإجرام، فسكت أهلها عن التغيير إلا قليلاً منهم، فجاء البلاء من الله سبحانه وتعالى وعاجلتهم العقوبة، فأخذ الله الذين اقترفوا الإجرام أخذاً وبيلاً، وألحق بهم الذين سكتوا ورضوا وتابعوا، وأنجى الذين كانوا ينهون عن السوء وحدهم؛ ولذلك قال في كتابه: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف:١٦٣ - ١٦٦] فهذا أخذ الله الوبيل وعقوبته الشديدة لمن لم يتمعر وجهه في ذات الله، ولم يغير المنكر إذا رآه!!