إن هذه الأمة لها حقوق على أفرادها، ولها أمجاد ضائعة، وأراض مغتصبة، وعدد كبير من المستضعفين المستذلين في مشارق الأرض ومغاربها، وكتاب وسنة، وتشريع قد أضيع وأهمل، وعلم وتراث لا بد أن يحمل، لها حقوق كثيرة أين نحن منها؟ إذا نظرنا إلى أنفسنا هذه النظرة لا يمكن أن نتكبر على الآخرين، بل نجد أنفسنا خداماً من خدام أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وسنجد أنفسنا أحرص شيء على هداية هذه الأمة واستقامتها، وهذا هو المطلوب، ولهذا فإن الله سبحانه وتعالى امتن علينا بصفات محمد صلى الله عليه وسلم التي فطره الله عليها، فقال تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة:١٢٨]، ولاحظ هذه الصفات، فإن فيها خطاباً للبشرية بكاملها، فيدخل فيه الكافر والمؤمن:(جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ) أي: ليس من الملائكة ولا من الجن، بل هو من البشر.
وفي قراءة أخرى:(من أنفَسكم) بفتح الفاء، أي: من أعلاكم منزلة.
الصفة الثانية:{عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ}[التوبة:١٢٨] أي: يشق عليه عنت البشرية، يريد للبشرية جميعاً الهداية، ولا يحب أن يكب الله أحداً على وجهه في النار، يحب الهداية لـ أبي جهل ولغيره، وعندما جاءه ملك الجبال فعرض عليه أن يضم الأخشبين على قريش قال:(لا.
لعل الله أن يخرج من أصلابهم قوماً يعبدون الله لا يشركون به شيئاً)، فهذا الحرص على هداية كل الناس المؤمن والكافر، فيحرص على أن يكونوا جميعاً من أهل الجنة (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ).
لكن المختص بالمؤمنين هو قوله:{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة:١٢٨]، فرأفته ورحمته تختص بالمؤمنين، أما حرصه على الهداية فيشمل الجميع، وهذا الحرص من المطلوب من كل مؤمن -وبالأخص الذين اختارهم الله لتكليفهم بالدعوة إليه- أن يجده في نفسه، وأن يتربى عليه، وأن يربي الناس عليه، وأن يكون حريصاً على هداية الناس وعدم تنفيرهم عن الحق، وأن يكون حريصاً على أن يهدي الله على يديه قوماً يعبدون الله لا يشركون به شيئاً.