فلا يمكن أن يكون الإنسان متعلماً حتى يتواضع لمن يعلمه ومن يأخذ عنه، فهذا موسى عليه السلام وهو كليم الله وقد اجتباه الله برسالاته وبكلامه، ومع ذلك حين جاء إلى الخضر:{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}[الكهف:٦٦] فلم يقل: إني (متبعك) بصيغة الجزم، بل قال:(هل أتبعك) بصيغة الاستفهام تواضعاً، ثم قال:(على أن تعلمني) فجعل نفسه طالباً، ولم يقل: على أن تذاكرني، أو أن أستفيد منك، فلم ينسب الفعل لنفسه، بل قال:(على أن تعلمني)، ثم قال:(مما عُلِمت) بصيغة (من) التبعيضية، ومعناه: بعض ما علمت، ولا أريد أن تعلمني كل ما عندك.
ثم قال:(تعلمني مما علمت رشداً)، وذلك أن هذا العلم بضاعة غالية، ومن خصه الله به فإنه لا يمكن أن يدفع هذه البضاعة ويسلمها لمن لا يحترمه، ولمن لا يجد فيه تقدير العلم وأدبه، فأهم آداب العلم التواضع، ولذلك فإن من تكبر من العلماء أو من طلاب العلم فسيسلك طريق إبليس الذي تكبر بما علمه الله، فقال:{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف:١٢]، فعلى من طلب العلم أو نال حظاً منه أن يتواضع بقدر ما تعلم، ومن هنا يقول الحكيم: وإن كريم الأصل كالغصن كلما تزايد من خير تواضع وانحنى فلذلك لابد أن يتواضع الإنسان حتى يحصل على ما كتب له من هذا العلم.