[أداء حقوق النبي صلى الله عليه وسلم]
الضابط الأول في التعامل مع الناس: أداء حقوقهم لهم: وهم متفاوتون في الحقوق تفاوتاً عجيباً، فأعظم الناس حقاً على الناس، رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو السبيل إلى الهداية والمبلغ عن الله سبحانه وتعالى، وقد شرط الله على المؤمنين في الإيمان محبته، وأن يكون أحب إليهم من أنفسهم، فإذا وجد الإنسان جفافاً فيما يتعلق بالتعامل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إذا سمع اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه سمع اسم إنسان من معارفه، أو من الذين يعرفهم، أو كان إذا بلغه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتأثر به وكان كأنما بلغه كلام أحد الناس، فهو مصاب بمرض عضال في التعامل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله تعالى يقول في كتابه: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:٦٣]، ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ * ولَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:١ - ٥].
فاعتبار الإنسان لتعامله مع النبي صلى الله عليه وسلم وتأثره به، يعرف به هل هو سقيم مريض النفس في هذا الجانب، أم هو صحيح معافى، إذا كنت يا أخي تسمع حديثاً صحيحاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تجد أثراً لذلك الحديث على نفسك، أو إذا سمعته كأنما سمعت كلام الناس المعتاد فأنت مريض في التعامل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضاً عضالاً عظيماً، ولا بد من علاجه.
إذا كنت لا تستشعر محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تستشعر الانتماء له وأنك تريد أن تبعث تحت لوائه يوم يدعى كل أناس بإمامهم: {فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [الإسراء:٧١] ولا تستشعر محبتك للورود عليه والشرب من حوضه شربة هنيئة لا تظمأ بعدها أبدا، أو لا تستشعر تعظيمك لأصحابه وخلفائه الحاملين سنته الناشرين دعوته، أو تستشعر اشمئزازاً من أي خلق من أخلاقه أو وصف من أوصافه؛ فاعلم أنك مبتلى بداء عضال.
أخي! لاحظ السنن والهيئات والأوصاف الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن وجدت في نفسك نفوراً من أية صفة من صفات النبي صلى الله عليه وسلم فاعلم بأنك مصاب بهذا المرض، فالذي ينفر -مثلاً- من توفير اللحية، أو من أي وصف من أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم مبتلى بداء عضال في التعامل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والذي ينفر من الدعوة إلى الله التي هي وظيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتلى بداء عضال في التعامل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والذي يشمئز من الذين يبلغون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحيث إنه إذا رأى إنساناً يبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم امتثالاً لقول المعلم الأعظم: (بلغوا عني ولو آية): (ليبلغ الشاهد منكم الغائب)، (ورب مبلغ أوعى من سامع)، (نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، ورب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)؛ فإذا كان الإنسان يشمئز من هؤلاء ولا يتحمل سماع ما يقولون؛ فهو مبتلى بداء عضال في التعامل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بد أن يعالجه قبل أن يكتب له سوء الخاتمة.
ولهذا فإن مالكاً رحمه الله كان في طريق العقيق، فسأله رجل عن حديث من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: من هذا الذي يسأل عن حديث رسول الله عليه وسلم في الطريق؟ اجلدوه عشرين جلدة، فقيل له: يا أبا عبد الله! إنه القاضي! -قاضي المدينة- فقال: القاضي خير من أجلد، فجلدوه عشرين سوطاً، فرحمه مالك فدعاه إلى بيته وأجلسه في مجلسه وحدثه عشرين حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل سوط بحديث، فقال القاضي: وددت لو جلدني مائة فحدثني مائة حديث.
وكان مما قال مالك رحمه الله: (لو أدركتم ما أدركت لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، فقد أدركت جعفر بن محمد وكان ذا دعابة، وكان إذا ذُكر عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى حتى كأنه ما عرفك ولا عرفته، وأدركت محمد بن المنكدر وكان إذا حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اصفر وجهه، وعلاه الغشي، حتى رحمناه وخرجنا عنه).
هذا هو التوقير الذي اشترطه الله على المؤمنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي لا يحس بهذا التقدير والتوقير في باطنه وقلبه، فهو مبتلىً بداء عضال في التعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقلما ينتفع بشيء مما جاء به، فقد حيل بينه وبين النور الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.