[وعن حدوث العلم والإرادة وصفة الكلام عند الذادة] كذلك هذه الصفات قديمة غير محدثة، وهذا الفرق بينها وبين صفات الأفعال، فصفات الأفعال يجوز العقل حدوثها، فيجوز العقل أن يحدث الله ما شاء من خلقه، وأن يفعل ما شاء في أي وقت، لكن هذه الصفات السابقة من المستحيل أن تكون قد تجددت له؛ لأنه هو قديم وهذه صفاته.
فحياته وقدمه وبقاؤه وإرادته وعلمه لم يكتسبها من خلقه، فلم يكتسب من خلقه أي صفة؛ فهو الخالق ولا خلق، وهو الرازق ولا رزق، وهو المحيي وهو المميت قبل وجود الكون كله، فهو المتصف بهذه الصفات حتى قبل أن تظهر تجلياتها في عجائب خلقه.
ولهذا قال: وعن حدوث العلم والإرادة ومعناه: يستحيل في حقه أن يكون جاهلاً بشيء ثم يحدث له العلم، وكذلك يستحيل في حقه تجدد الإرادة، وهذا رد على اليهود الذين يزعمون البداءة على الله، فإنهم يقولون: إنه بدا له بداء، أي: ظهر له أمر كان قد خفي عنه، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
ولا ينافي هذا تجاذب الإرادتين، فالإرداة كما ذكرنا أنواع، فيمكن أن تتجاذب، مثل قوله سبحانه في الحديث القدسي:(وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن؛ يكره الموت وأكره مساءته، ولابد له منه)، فهذا داخل في القدر، والقدر يرد الله بعضه ببعض.
وقوله:(وصفة الكلام عند الذادة)، أي: كذلك يستحيل في حقه حدوث صفة الكلام، فهو المتكلم قبل أن يتكلم بالقرآن، وقبل أن يتكلم بالتوراة، وقبل أن يتكلم بالإنجيل، فهو المتصف بصفة الكلام يتكلم متى شاء بما شاء.
وقوله:(عند الذادة) أي: عند المدافعين عن الشرع من العلماء.