[خطورة التسامح والمحاباة على حساب الدين]
فلذلك لا يجوز أن يصل الإنسان في محاباة الناس إلى حد التجاوز، فقد عرض على الرسول صلى الله عليه وسلم أقل من ذلك فلم يقبل، وعندما عرض عليه المشركون أن يسكت عن سب آلهتهم لم يفعل في البداية حتى أنزل عليه في ذلك الأمر المؤقت فقط: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:١٠٨].
وعندما عرضوا عليه أن يعبد آلهتهم ويعبدوا إلهه أنزل الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون:٥] * {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:١ - ٦].
فعرفوا أنها المفاصلة، ولا يمكن أن يقع بعدها أي ميل ولا ركون، وقد قال الله تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود:١١٣]، وقال تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء:٧٣ - ٧٥].
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربي أصحابه على هذا المنهج، فهذا سعد بن أبي وقاص تضغط عليه أمه وهي أحب الناس إليه وأمنه عليه وتضرب عن الطعام! فلما كادت أن تموت أتاها سعد فهمس في أذنها فقال: يا أماه! لو كان لك مائة نفس فخرجت نفساً تلو أخرى على أن أرجع عن شيء من ديني ما رجعت فاحيي أو فموتي.
فلذلك لابد أن نعلم أن مسلسل التراجع والمسامحة سيصل بالناس إلى ما يعرف اليوم بالأنترفيت أي: الدين العالمي، وهو دين مشوه يجمع كل الأديان وكل الأيديولوجيات، وقد بدأ في الولايات المتحدة الأمريكية، وأراد به أصحابه أن يجمعوا -أولاً- الديانات الثلاث السماوية، ويأخذوا الأمور المتفق عليها بين المسلمين واليهود والنصارى فيجعلون من ذلك ديناً موحداً! وهذا ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، وهو غاية في التغيير والتبديل.
ومثل هذا ما حصل لدى بعض المسلمين -أيضاً- من السعي لمحاباة المبتدعة، حتى أرادوا أن يجعلوا مذهباً خامساً للمسلمين متفقاً عليه وهو المذهب الجعفري! وقد انعقد لذلك مؤتمر في الأزهر لإرضاء الشيعة، وأرادوا أن يتكلموا عن المذاهب الخمسة، وأن يجعلوا مع المذاهب الفقهية السنية المتبوعة مذهباً خامساً وهو مذهب الجعفرية لمجرد السياسة وإرضاء الشيعة الروافض.
وهذا لا يمكن أن يستقيم بحال من الأحوال، ولا أن يقره المسلمون، ولا أن يرضوا به، وقد حاول المستعمرون من قبل كثيراً من الطعن في الدين ومن محاولة التراجع عنه، فلم يستجب لهم المسلمون، والذين يستجيبون لمثل هذه الدعايات لابد أن يتركهم التاريخ على الأثر، ولهذا فقد قال الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله وهو في بيئة مليئة بالشيعة وأنواع المبتدعة: لقد حاولت في بداية الأمر في سوريا ولبنان الدعوة إلى التقريب بين أهل السنة والشيعة، حتى تبين لي أني أضرب في حديد بارد، وأن هذا الأمر لا يمكن أن يستقيم بحال من الأحوال، فما اتفق معهم على شيء إلا نقضوه، فعرف أن ذلك من المستحيلات وأنه لا يمكن أن يقع، ولهذا ذكر في كتابه السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، أن من أراد السعي للتقريب فلابد أن يكون مسعاه بتقريب المبتدعة إلى الصراط المستقيم، لا إلى تقريب الصراط المستقيم إلى المبتدعة، فالصراط المستقيم ثابت في مكانه.
فلذلك لا حرج في أن ندعو المبتدعة إلى ترك ما هم عليه من بدعهم وتقريبهم إلى الصراط المستقيم، لكن من المستحيل أن نحاول تقريب الصراط المستقيم إليهم وزحزحته عن مكانه.
فهذا في جانب الاعتقاد.