المسلمون اليوم يحتاجون إلى هذا الإنفاق غاية الاحتياج، فقد تكالب عليهم أعداؤهم، وصدق عليهم الوعد، وأنا أعرف في جنوب فرنسا وحدها مخيمات كبيرة أقيمت لأولاد المسلمين في البوسنة، ينصرون فيها وهم من أولاد المسلمين، وتنفق عليهم الكنيسة الأموال الطائلة، فهؤلاء من المسلمين، ولا يستشعر التجار حقوقهم عليهم، ولا يستشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين)، إنه من العيب علينا أن نطلب المساعدات الخارجية، وأن نبحث عمن يكفلون أيتامنا من خارج بلادنا، فأين الذين يكفلون الأيتام، ويتبرعون للفقراء، والمساكين؟! وأين الذين يقومون بالحقوق في كل بلد، ويعرفون الحاجة الماسة إليها؟! أنتم تعرفون في العام الماضي ما حصل في (تشير) وغيرها من القرى التي جاءها المطر الذي هدم البيوت، وأفسد أملاك الناس، وبقي الناس بلا مأوى تحت رحمة المنظمات التنصيرية، فهل هذا يسوغ عند المسلمين؟! هل يسوغ أن يكون بعض الناس ينعم في غاية ما يمكن أن يناله، ويتبع هواه في كل ما يبتغيه، وإخوانه المسلمون في أشد الحاجة وأمسها؟! إن هذا مخالف لقيم الإسلام بالكلية، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، وقال صلى الله عليه وسلم:(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً).
فلذلك لا يحل للمسلم أن يخذل المسلم، ولا أن يسلمه، والنبي صلى الله عليه وسلم بين هذا فقال:(المسلم أخو المسلم: لا يخذله، ولا يحقره، ولا يكذبه.
التقوى ها هنا -ويشير إلى صدره ثلاثاً- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه).
إن كثيراً من المسلمين اليوم يحتاجون إلى نفقاتكم، وهذه النفقات سواء كانت مباشرة، كحال الفقراء، أو كانت في مقابل ما يحتاجون إليه من الخدمات، فأنتم تعرفون كثيراً من الأحياء الريفية البدوية التي تحتاج إلى تفريغ معلم بعلمهم، أو إمام يصلي بهم، ومن لم يكن يعرف ذلك منكم فليأتني فأنا أعرف كثيراً من الأحياء التي ليس بها من يستطيع القيام بحقوق الله عز وجل.
ذات يوم أتينا حياً من الأحياء البدوية، فأعجبني ما قاله عجوز من أهل ذلك الحي حين قام إلينا فقال: يا إخواني! نحن إخوانكم في الله، أرسلوا إلينا رسولاً واحداً يعلمنا حظنا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وجهلناه.
ونحن عاجزون عن الاستقرار في ذلك المكان، لكن لو وجدنا حينئذٍ من يتبرع بالجلوس معهم ولو شهراً أو أقل؛ ليعلمهم فقط الفاتحة وقصار السور، ويعلمهم أركان الإيمان الستة، وأركان الإسلام الخمسة، ويعلمهم إقامة الصلاة جماعة، ويعلمهم تجهيز جنائزهم، وإقامة أنكحتهم، وبيوعهم؛ لكان هذا فضلاً عظيماً نحن بحاجة إليه.