للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرحمة]

فأول صفة من هذه الصفات: هي الرحمة، وهي خُلُقُ هذا الدين، فلكل دين خلق، وخلق الإسلام الرحمة، وقد كتبها الله على نفسه، وتَسمى بها، وقال سبحانه وتعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:٥٤]، وقال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشر:٢٢].

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، فادخر عنده تسعاً وتسعين رحمة لعباده المؤمنين في الجنة، وأنزل رحمة واحدة في الدنيا، فبها يتراحم الخلائق فيما بينهم، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها).

فلابد أن يكون الداعية رحيماً بالمدعوين؛ لأن حرصه عليهم ورأفته بهم ستكون سر إصراره في دعوته، واستمراره فيها، وتذكره أن هؤلاء عرضة لأن يكبهم الله على وجوههم في النار، فهو يرحمهم، ويسعى للحيلولة بينهم وبين ذلك، وقد قال الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران:١٥٩].

والرحمة صفة مطلوبة في كل مؤمن، ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما يرحم الله من عباده الرحماء)، وفي الحديث المسلسل بالأولوية، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي قابوس، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الراحمون يرحمهم الرحمن؛ ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، وكذلك فإنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال أمتي بخير ما دام كبيرها يرحم صغيرها، وصغيرها يوقر كبيرها).

وقد وصف الله نبيه صلى الله عليه وسلم بهذه الرحمة في عدد من الآيات، فقد سبق قوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران:١٥٩]، وقال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨]، وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:٢٩].

والرحمة تقتضي من الداعية ألا يخاطب الناس من منطلق الترفع والتعالي، بل يخاطبهم من واقع الحرص عليهم؛ لإنجائهم من عذاب الله، يقول أحد العلماء: ارحم بنيي جميع الخلق كلهمُ وانظر إليهم بعين الرفق والشفقة وقِّر كبيرهمُ وارحم صغيرهمُ وراعِ في كل خلق حق من خلقه