للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإيمان بالملائكة]

الركن الثاني من أركان الإيمان الإيمان بالملائكة.

إن لله تعالى جنوداً لا نعلمها: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} [المدثر:٣١] , وهذه الجنود منها جند الملائكة، وهم من أكثر جنود الله تعالى عدداً ومن أقواهم، وقد خلقوا من نور، وهم عباد مكرمون: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦] , {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:٢٠] , وهؤلاء منهم المقربون -وهم أفضلهم- كجبريل روح القدس الأمين عليه السلام، وميكائيل، وإسرافيل، ومالك خازن النار، وملك الموت، فهؤلاء من الملائكة المقربين، ومنهم حملة العرش الذين شرفهم الله تعالى بحمل عرشه عز وجل، وهم أربعة في الدنيا وثمانية يوم القيامة: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:١٧].

وهؤلاء الملائكة يجب الإيمان بوجودهم، وبكونهم معصومين من المعصية، وبأنهم: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:٢٠] , والإيمان بهم مؤثر في الإنسان؛ لأنه مطالب بأن يحاكيهم ويضاهيهم، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟!).

وكذلك في الصوم، فإن الإنسان يصوم ليباهي الملائكة، وكذلك في الحج، فإن الناس يقفون بعرفة لمباهاة الملائكة، فالإيمان بهم مقتض من الإنسان المبالغة في التعبد لله واجتناب معاصيه؛ لأن الإنسان الذي يعلم أن لله عباداً آخرين يطيعونه غاية الطاعة وهو يريد الانتساب إلى الله ويريد أن يكون عبداً لله فسيحاول أن ينافس هؤلاء في طاعة الله، ويحاول أن يبتعد عن المعصية، فكلما زينت له نفسه أو شيطانه الوقوع في المعصية تذكر أن لله عباداً آخرين في حضرته لا يعصون أمراً ولا يخالفونه، ولا يقعون في أية معصية، فكف عن ذلك، ومن هنا كان المثال في هذا الباب مهماً جداً، حيث قال الله تعالى بعد سرده لأسماء ثمانية عشر من الأنبياء عليهم السلام في سورة الأنعام قال بعده: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:٨٩].

والمقصود بقوله: (هؤلاء) الذين يدعوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين، وقوله تعالى: {فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ} [الأنعام:٨٩ - ٩٠] , هؤلاء هم الذين هداهم الله عز وجل وجعلهم قدوة للناس، بين سبحانه وتعالى أن معصية الآخرين له لا تقتضي نقصاً في طاعته، فله جنود آخرون يطيعونه ولا يعصون له أمراً.