أما الشبهة: فعلاجها إنما هو باليقين، أن يفهم الإنسان أن الشيطان عدو له، وأنه يلقي في ذهنه أموراً هي بمثابة نسج العنكبوت، وأن ما يلقيه الشيطان في قلب الإنسان من وحيه وتدبيره ووساوسه؛ ما هو إلا بمثابة نسج العنكبوت، وقد قال الله تعالى:{إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[العنكبوت:٤١]، حبال العنكبوت هل يستطيع الإنسان أن يتعلق بها، أو أن يتوصل بها إلى أي شيء؟ وشبهات الشيطان التي يلقيها في قلب الإنسان هي بمثابة بناء العنكبوت؛ ولذلك يزيلها الذكر ويحطمها، فالذكر الحاصل يقطع على الشيطان حبال العنكبوت التي يلقيها في قلب الإنسان؛ وبذلك يستطيع الإنسان التغلب على خطوات الشيطان بالتخلص مما يلقيه من الوساوس والأوهام، وقد قال الله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الحج:٥٢ - ٥٤].
وقال تعالى:{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}[الأنبياء:١٨]، وقال تعالى:{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}[سبأ:٤٨ - ٤٩]؛ فلذلك كل ما يلقيه الشيطان من الوساوس والأوهام، على الإنسان أن يتخلص منه بذكر الله، فمن وساوس الشيطان -مثلاً- النسيان والغفلة، فإذا أحس الإنسان بذلك فعليه أن يبادر إلى ذكر الله، كما قال الله تعالى:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا}[الكهف:٢٤].
ومن وساوس الشيطان كذلك وأوهامه: تشكيكه في أمور الآخرة وفي أمور الاعتقاد، وتخلص الإنسان من ذلك بذكره لله تعالى، فإذا أقبل على الاستغفار ذهبت بالكلية.
وكذلك من وساوس الشيطان: ما يزينه للإنسان من تطويل الأمل، ومن أنه سيتوب إذا كبر، وأنه سيترك هذه المعاصي إذا تجاوز الخمسين أو الستين من عمره؛ لكن من يضمن لك أن تصل الخمسين أو الستين؟ ومن يضمن لك إذا وصلت إليها أن لا يختم على قلبك فتستمر على المعصية؟ فإن الله تعالى يقول في كتابه:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ}[الأنعام:١٠٩ - ١١١].
ثم بعد ذلك لو قدر أنك وصلت إلى ما مناك الشيطان، فبلغت الستين أو السبعين من العمر، وعرفت أن ما أنت فيه لا يصلح، وندمت عليه وتبت منه، لكن تجد نفسك قد ضعفت أيضاً عن الطاعات، فكما يضعف الإنسان عن المعاصي يضعف عن الطاعات أيضاً، وإذا تقدم به العمر أحس بالآلام في ظهره وفي كتفيه وفي جنبيه وفي ركبتيه وفي أطرافه، فكما ضعف عن المعصية ضعف عن الطاعة، فلذلك عليه أن يبادر إلى الطاعة ما دام يقدر عليها، وما دام يجد في نفسه طاقة وجلداً، قبل فوات الأوان.
وعليه أن يتذكر أن الشيطان عدو له في كل أوقاته، ولا يمكن أن ينصحه إلا بما فيه ضرر عليه، فهو يريد إفساد عمره في غير طائل، كما سعى من قبل لإخراج آدم وحواء من الجنة:{فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ}[الأعراف:٢٢]؛ فلذلك على الإنسان أن يحرص على عدم اتباع خطوات الشيطان، وأن يتذكر أن الشبهة التي يلقيها الشيطان في نفسه هي من خطوات الشيطان التي نهي الإنسان عن اتباعها، وقد قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[النور:٢١]، فعلى الإنسان أن يجتنبها بالكلية وأن يحذر منها.