[تميز الدولة في الإسلام بأنها تهدف إلى تحقيق غاية]
ومن ممزيات دولة الإسلام: أنها دولة تريد تحقيق غاية، والوصول إلى هدف، أما الدول الغير إسلامية فليس لها غاية ولا هدف، إنما تريد إشباع أكبر قدر ممكن من الرغبات والاتساع في اتباع الشهوات، دون أن يكون وراء ذلك أية محاسبة، فمن تولى الحكم في أي بلد من البلدان بغير حكم الله تعالى -كالحال في حكام المسلمين اليوم- فإنه لا ينظر إلى مصالح هذه الأمة، التي هي أمانة في عنقه وسيسأل عن كل أمورها، ولا يستحضر أنه هو المسئول شرعاً بين يدي الله سبحانه وتعالى عما يصيبها.
بخلاف الحاكم في دولة الإسلام، فإنه يستشعر هذه المسئولية، كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: والله إني لأخشى أن يحاسبني الله إذا عثرت البغلة في الليلة الظلماء في سواد العراق لماذا لم أعبد لها الطريق؟ وكذلك كان يحرس بنفسه ويتولى الأمور بنفسه.
وهكذا الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم يقومون بهذه المصالح بأنفسهم، فـ عثمان بن عفان هو الذي يعلم الناس الوضوء على باب المسجد، وهو الذي يعلمهم القرآن في الثلث الأخير من الليل في المسجد، وهو الذي يخطبهم على المنبر، ويؤمهم في الصلوات ككل الخلفاء الراشدين.
وعلي بن أبي طالب رضي الله أيضاً هو الذي بيده مفاتيح المسجد، وهو الذي يقمه بردائه، وهو الذي يوزع بيت المال بنفسه، ويقود الغزو بنفسه، وكل الأمور يباشرها بنفسه؛ لأنه لا يريد من وراء هذه الدولة ولا هذا الحكم أن يصل إلى رغبات شخصية أو شهوات لنفسه، وإنما يريد الوصول إلى أهداف كبرى، هي خدمة دين الله تعالى وإعلاء كلمته، ووصول كل أحد إلى حقه ومستحقه مما خصه الله به.
كذلك: من خصائص دولة الإسلام أنها تسعى لاستغلال ما في هذه الأرض من الخيرات وإيصالها إلى الناس، وإلى جمع كلمتهم وعدم تفرقهم، وتتبنى مسائل المسلمين وقضاياهم المختلفة، وتناصرهم في أي مكان كانوا، ولا تقتصر على حدود يحددها أعداؤها، فهذه الحدود التي دخلت في كيان الناس وأصبحت محترمة لديهم معتبرة، ما هي إلا من اصطناع أعدائهم، وما قصدوا بها إلا تفريق كلمتهم وتشويه صورتهم، فما الفرق بين غامبيا وزجانشور مثلاً؟ ما الذي جعل زجانشور وهي في جنوب غامبيا تابعة للسنغال وأخرج غامبيا وهي شريط ضيق داخل أرض السنغال من هذه الدولة؟ إن المستعمر هو الذي يقطع هذه القطع، ولذلك لم يترك بين بلدين من بلاد الإسلام حدوداً واضحة، وإنما يرسل بعثات متتالية كل بعثة تخط خطاً، وتأتي البعثة التي بعدها فتخط خطاً مغايراً حتى تقع مشكلة، ويترك منطقة محايدة بين البلدان لتكون مشكلة في المستقبل مثل قضية الصحراء، ومثل قضية الحدود في الجنوب، ومثل قضية الشرق، ومثل المشكلات في أي مكان من أنحاء العالم الإسلامي.