للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسماء تساند ابنها عبد الله بن الزبير]

لم تقتصر أسماء فقط على بيت والدها وبيت زوجها، بل حين بلغت من الكبر عتيا وبلغت مائة سنة، كان ابنها عبد الله يرى أن واجبه أن يقوم لله بالحق حين رأى خلافة المسلمين تسقط، ويرى الدولة مهددة، فيدعو بأن ينتصب خليفة للمسلمين ويدعو الناس إلى ذلك؛ لأنه يرى أن الخلافة لابد منها وأنها أساس الإسلام ومحوره، وأنه إذا لم يقم للإسلام خلافة، فستسقط دولته، كما حصل في عصورنا هذه والله المستعان! فقام عبد الله بهذا الحق، فوجد من أمه خير مؤازرٍ على ذلك، فهذه العجوز الكبيرة التي قد بلغت المائة أو جاوزتها تقوم بالحق في هذا الوقت، وتؤازر ولدها في القيام بخلافة المسلمين، وتؤيده على ذلك، وحين دخل عليها ليودعها حين انهزم عنه أصحابه وبقي وحده يجاهد عن حرم الله وعن بيته، وكانت الخيل تدخل عليه من باب بني جمحة فيعترضها وحده حتى يردها، وتدخل عليه من باب بني عبد الدار فيعترضها وحده حتى يردها، فلما كثر عليه ذلك، أغلق أبواب المسجد الحرام، وذهب إلى أمه ليودعها، فلما دخل عليها قالت: (يا بني، إن كنت على الحق فامضِ عليه، فقال لها: إني لا أخاف إلا أن يُمثل بجسدي بعد موتي، فقالت: يا بني، إن الشاة لا يؤلمها السلخ بعد الذبح!).

فشجعته بهذا، فاستمر عبد الله قائماً بالحق حتى لقي الله تعالى ومات شهيداً واحتسبته أسماء ووقفت عليه وهو مصلوب، فكانت تقول: أما آن لهذا الراكب أن ينزل؟ ولذلك فإنها قامت بالتضحية في ثلاثة أشياء، قامت بالتضحية في بيت أبيها وأسرتها الأولى التي هي أسرة النسب، ثم قامت بالتضحية في بيت زوجها وأسرتها الثانية التي هي أسرة السبب، ثم قامت بالتضحية في الجيل الثالث وهو جيل أولادها، ولهذا علمت بنات أولادها، فهاهي فاطمة بنت المنذر بن الزبير تروي جميع حديث أسماء بنت أبي بكر ويروي عنها زوجها هشام بن عروة بن الزبير، ولذلك تجدون في الموطأ كثيراً من الأحاديث التي يرويها مالك عن هشام بن عروة، عن زوجته فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.