للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آداب المطالعة]

يحتاج الطالب إلى منهجية في المطالعة، ومنهجية المطالعة هي ألا يشوش الإنسان فكره إذا أراد قراءة كتاب ما، وإذا بدأ المطالعة في كتاب لابد أن يكمله، ولابد أيضاً أن تكون هذه المطالعة مطالعة علمية، فالمطالعة غير العلمية هي أن تقرأ في كتاب وليس لديك قلم ولا ورقة، ولا تحفظه، بل تقرأه فقط، فلا تحرز منه فائدة، والمطالعة العلمية هي أن تجعل لك دفتراً لكل كتاب تطالعه، وتضع فيه اسم الكتاب، وتبدأ الصفحة الأولى بتاريخ، وتكتب: بدأت القراءة الساعة كذا لليوم الفلاني من الشهر الفلاني من العام الفلاني في الكتاب الفلاني من الصفحة كذا، حتى تكمل ما تطالعه منه، وتقسم الدفتر إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: للزوائد النادرة، والأشياء العجيبة التي استفدتها من الكتاب، ولا تكتب الأشياء المكررة والموجودة في الكتب كلها؛ لأنها موجودة في الكتب، ولا فائدة من نسخك لكتاب مطبوع، لكن تكتب الفوائد النادرة، والأشياء الغريبة جداً.

القسم الثاني: لما فهمته أنت من الكتاب مما ليس فيه، وهو ما يسمى: قراءة ما بين السطور، فتستفيد معلومات بفهمك وربطك للمعلومات بمعلومات سابقة لديك، فتكون بذلك استفدت من هذا الكتاب فهماً ومقارنة، فتكتب المعلومات التي استفدتها حتى لا تضيع منك، وستبقى مادة لديك في المستقبل لكتبك ودروسك التي أنت فهمتها من الكتب، ولو لم تكن مخصوصة ولا موجودة فيها.

القسم الثالث: للإشكالات: كل كتاب قرأته لابد أن يعرض لك فيه كثير من الإشكالات، بعضها ناشئ عن أخطاء مطبعية، وبعضها ناشئ عن أخطاء من المؤلف نفسه، وبعضها ناشئ عن عدم فهم منك أنت، وبعضها ناشئ عن اختلاف في الدلالة، فدلالة اللفظ الواحد قد يكون مشتركاً، وقد يكون مجازاً، وقد يكون مستعملاً في وقت المؤلف استعمالاً شائعاً، وفي وقتك غير ذلك.

فتحتاج إلى تقييد هذه الإشكالات للرجوع إليها في مراجع أوسع، أو لسؤال من تلقاه من أهل العلم عنها، فالاستشكال علم كما قال أهل العلم، فإذا استشكلت شيئاً فقد ازددت علماً؛ لأنك ستبحث عنه، وسيقتضي ذلك منك اطلاعاً على ما لم تكن لتصل إليه لولا ذلك الإشكال، وكم من شوارد علمية نالها الإنسان ولم يكن يبحث عنها، وإنما بحث عن مسألة أخرى دونها، ففتح الكتاب وقرأ فاستفاد علماً آخر أكثر مما كان يبحث عنه! فإذاً: ستقسم دفتر المطالعة لكل كتاب إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: تقييد النوادر التي هي مخصوصة في الكتاب.

القسم الثاني: تقييد ما فهمته أنت ولم يكن مدوناً في الكتاب.

القسم الثالث: للإشكالات التي عرضت لك أثناء قراءتك للكتاب.

وتستمر على هذه المنهجية حتى تكمل ذلك الكتاب، وتحتفظ بالدفتر، ثم تأتي إلى كتاب آخر.

ومن المهم جداً في المطالعة العلمية: أن تكون لديك مقارنة بين الكتب المتقاربة، مثلاً إذا كنت تدرس سورة يونس، فتريد مطالعة كتب التفسير في هذه السورة، والمقطع الذي لديك هو من الآية رقم واحد إلى الآية رقم عشرة مثلاً، فستأخذ من كل مدرسة من مدارس التفسير تفسيراً أو اثنين أو ثلاثة، فتتطلع على ما فيها، فيغنيك بعضها عن بعض، كما هي قاعدة أهل الفرائض: تكتفي بأحد المثلين، وبأكبر المتداخلين، وبحاصل ضرب أحد المتباينين في الآخر، وعندها يتباين الرءوس والسهام بحاصل ضرب أحدهما في الآخر، فتنظر بهذه الأنظار إلى الكتب، فمثلاً: إذا قرأت في كتب التفسير بالأثر، ستجد أنهم ينقلون مثلاً عن ابن عباس كذا، وعن مجاهد كذا، وعن عكرمة كذا، وعن سعيد بن جبير كذا، وعن الضحاك كذا، وعن مقاتل كذا، وعن زيد بن أسلم كذا، وعن عبد الرحمن بن زيد كذا، وعن محمد بن كعب القرظي كذا، وعن أبي العالية كذا، وعن قتادة بن دعامة السدوسي كذا.

وهذه الآراء غالباً تكون متداخلة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن تفسير السلف إنما يقصد به المثال، كما لو سألت عن الخبز: ما هو؟ فرفعت خبزةً فقلت: هذا الخبز، فليس معناه أنك تزعم أن الخبز محصور فيما رفعت، بل المقصود أن تبين له فرداً من أفراد الماهية ليفهم به الماهية، وإذا سألك إنسان عن تفسير قول الله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق:١ - ٤]، قال: ما هو القلم؟ فرفعت قلماً وقلت: هذا القلم.

ليس معناه أنك تزعم أن القلم الذي علم الله به هو هذا، بل المقصود أنك تريد شيئاً يفهم به المقصود، ويفهم به ما يطلب فهمه، وهكذا كان تفسير السلف، ومن هنا لم تتبع الروايات، ولم تتعب في تتبعها، ثم تأخذ بعض التفاسير التي تعتني بالرأي، ثم تأخذ بعض التفاسير الفقهية، ثم تأخذ بعض التفاسير اللغوية، وتأخذ بعض تفاسير المتأخرين، فتجمع نتيجة الجميع، فتكون ملخصة لديك تستطيع تقديمها في درس في تفسير الآيات العشر الأول من سورة يونس، ثم تذهب للمقطع الثاني وهكذا.

وإذا كنت مدرساً فستكون لديك مادة جاهزة لكتاب أو لمقرر علمي، وستختصر بها على الطالب كثيراً من المتابعات، وبالأخص إذا كنت صاحب توثيق، فكل قول تنقله من كتاب توثيقه بالصفحة والجزء، حتى يرجع إليه إذا وقع فيه إشكال في الطباعة أو في الخط، فإذا كنت صاحب توثيق فستنفع الطلاب، وستختصر عليهم المسافات والوقت.

وبالإمكان أن يرجع الطالب إلى بعض الورقات التي أعدت في منهجية الطلب، وفيها بعض الكتب المقترحة لطلاب العلم في التأسيس في كل علم من هذه العلوم، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.