أريد أن تذكر أمثلة على الكلام الذي يقبل الصدق والكذب.
الجواب
ذكرنا أن الكلام قد يقبل الصدق والكذب لذاته، ولكنه لأمر خارج عن ذاته لا يقبل الصدق والكذب، والسؤال هنا عن أمثلة لذلك.
فمن أمثلته: كلام الله، فكلام الله صدق كله، لكن لو جاء ما فيه من الخبر ولم يكن الذي تكلم به هو الله لكان قابلاً للتكذيب، لكن بعد أن تكلم الله به اقتضى العقل والنقل والفطرة تصديقه وعدم تكذيبه:{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}[النساء:٨٧].
ثانياً: كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن المعجزات اقتضت من العقول أن تؤمن بصدقه، وكذلك الوحي فالخبر بتصديقه من عند الله سبحانه وتعالى، وأنه أمينه على وحيه يقتضي صدقه في كل ما أخبر به، فلو لم يتكلم الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام الذي هو خبر، لكان العقل يبيح أن يكون صدقاً وأن يكون كذباً، لكن بعد أن تكلم به الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبق مجالاً إلا لتصديقه عقلاً ونقلاً وفطرةً أيضاً.
القسم الثالث: ما صدقه الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم، فما صدقه الله مثل قوله تعالى في تصديقه لملكة سبأ:{إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً}[النمل:٣٤]، قال الله تعالى:{وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}[النمل:٣٤]، فهذا الكلام كان قابلاً للصدق والكذب قبل أن يصدقه الله، لكن بعد أن صدقه الله لم يعد قابلاً لذلك.
أو صدقه رسوله صلى الله عليه وسلم كحديث أبي هريرة حين أتاه الشيطان فأخبره أن آية الكرسي من قرأها في ليلة لم يقربه شيطان وكان عليه من الله حافظ، فهذا الكلام قبل أن يصدقه النبي صلى الله عليه وسلم كان قابلاً للصدق والكذب، لكن قال النبي صلى الله عليه وسلم:(صدقك وهو كذوب)، فوجب صدقه.
القسم الرابع: ما تواتر نقله، فالمتواتر يحصل اليقين بصدقه؛ لأن العدد الكبير الذين لا يجمعهم هدف ولا مكان ولا سن إذا أخبروا عن مشاهد محسوس قد رأوه أو سمعوا من مثلهم يستحيل تواطؤهم على الكذب في العادة، فيحصل اليقين بصدق ذلك، لكن هذا التواتر خارج عن الخبر، فأنت حصل لديك اليقين بوجود البيت الأبيض الأمريكي وإن كنت لم تشاهده، لكن لا تستطيع إنكاره اليوم، فأنت موقن بوجوده، وحصل لك اليقين بوجوده وهو خبر لا لأن الله تكلم به، ولا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم به، ولا لأنه جاء تصديق ذلك بالوحي، لكن بالتواتر، فقد تواتر عندك فلا تستطيع تكذيب ذلك، لكن الخبر قبل أن يتواتر كان قابلاً للصدق والكذب.