للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استشعار الأمة كونها جسداً واحداً بداية الطريق

لابد أن يكون بهذه الأمة حراك، ولابد أن تلتقي عليه من المحيط إلى المحيط، بل إلى ما وراء ذلك، فهذه الأمة ليست محصورة في البلدان الإسلامية كما يتصوره كثير من الناس، بل قد بلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار.

فالمسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية يبلغون أحد عشر مليوناً.

والمسلمون في فرنسا يزيدون على خمسة ملايين.

والمسلمون في بريطانيا أربعة وثمانمائة ألف تقريباً.

والمسلمون في ألمانيا قريب من ذلك العدد.

وهؤلاء ليسوا كالشعوب المستذلة المستضعفة، بل أكثرهم مهندسون وأطباء وموظفون كبار، وكثير منهم يعملون في التخصصات النادرة وفي الأبحاث الذرية النووية وغيرها.

لكن الذي ينقص هؤلاء جميعاً هو أن يستشعروا مسئوليتهم، وأن يقوموا بالحق الذي عليهم لله سبحانه وتعالى، وأن يؤدوا حق هذه الأمة، وأن يقوموا به.

إن استشعار كون هذه الأمة جسداً واحدا إذا حصل فهو النقطة الأولى وهو بداية الطريق، إذا أحس الإنسان أنه لا ينتمي لدولة صغيرة ضعيفة قليلة الموارد فقيرة، وإنما ينتمي لأمة بهذه الكثافة والضخامة، لأمة ذات تاريخ عريق، ليس كتاريخ الدويلات التي تبدأ من استقلالها أو استغلالها الزائف غير الصحيح.

هذه الأمة تاريخها بدأ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، وما زال تاريخها يشهد البطولات، وإلى يومنا هذا ما زال المضحون من أبنائها يبذلون أنفسهم لله سبحانه وتعالى، ويجاهدون في سبيله، فشعور الإنسان بانتمائه لهذه الأمة العظيمة التي هي خير أمة أخرجت للناس هو بداية استمراره على طريق الحق وسلوكه لهذا الطريق وسعيه لأن يكون له الأثر البارز في إعلاء كلمة الله وإعزاز دينه.

أما ما دام الإنسان قابعاً في منطقة يسيرة قليلة، وينظر إلى نفسه أنه من أهل تلك الدولة -فقط- ولا يهمه ما وراء حدوده فهذا المسكين الذي لا يزيد إلا تحجراً، ولا يزيد إلا غفلة واستضعافاً، وسيكون بذلك ذليلاً إلى نهاية حياته، يعيش ذليلاً ويموت ذليلا، والحق ينتظره يوم القيامة.

فكل ما يمكن أن يقال فيما يتعلق باتحاد هذه الأمة واجتماع كلمتها قد قيل، وواقع هذه الأمة لا يزداد إلا ثبوراً يوماً بعد يوم.

ولكن الأمل بعد نعمة الله سبحانه وتعالى وفضله هو في أولئك الأفذاذ من أبناء هذه الأمة، الذين لا تحدهم حدود، ولا يحجزهم مكان، ولا تتعلق أعمالهم إلا بالجنان، وهم يتعلقون بما عند الله الواحد الأحد، ولا يخافون إلا الله عز وجل، وينطلقون في مسيرتهم لإعلاء كلمة الله، فأولئك هم جيل النصر والتمكين، وهم الجيل الذي يكتب الله له ميراث الأرض ومن عليها، وقد قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء:١٠٥ - ١٠٦].

وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:٥٥].