[أقسام رضوان الله ومن يستحقه]
السؤال
ورد في حق أهل بدر: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، وفي حق عثمان: (ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم)، فما حكم الذنوب التي يفعلونها بعد ذلك؟
الجواب
لا شك أن بعض الأعمال قد يرتب الله سبحانه وتعالى عليها رضوانه الأكبر، فإذا رضي عن قوم رضاه الأكبر الذي لا خطر بعده فإنه لا يضرهم ما فعلوا، وقد اختلف العلماء في معنى ذلك: فقالت طائفة منهم: يفعلون الذنب وهو مغفور، فتسبق المغفرة الذنب أصلاً، فنحن الآن قد يغفر الله لنا إذا تبنا واستغفرنا، وأولئك ذنوبهم سبقتها المغفرة، فهم يفعلون الذنب وهو مغفور أصلاً.
وقالت طائفة أخرى: بل يفعلونه ذنباً مبغوضاً إلى الله سبحانه وتعالى، ثم يتوب الله عليهم وقد تعهد لهم بذلك فتوبته عليهم تأتي بعد وقوعهم في الذنب.
فمن الذين حل عليهم رضوان الله الأكبر الذي لا سخط بعده، الذين شهدوا معركة بدر، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).
وكذلك الذين بايعوا تحت الشجرة، فأنزل الله فيهم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} [الفتح:١٨]، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة).
وفي حديث جابر في صحيح مسلم أنه قال لهم حين بايعوه تحت الشجرة: (أنتم أفضل أهل الأرض)، وفي رواية: (أنتم خير أهل الأرض).
وكذلك في حديث عثمان بن عفان: (لا يضر عثمان ما فعل بعد اليوم)، وذلك حين جهز جيش العسرة واشترى بئر رومة فجعل دلوه فيه كدلاء المسلمين، ونحو ذلك من الأعمال.
لكن هذا لا يمكن أن يكون نوعاً من العمل يقاس عليه فمن فعله أثيب هذا الثواب، وإنما يعرف هذا بالوحي: هل حل رضوان الله الأكبر وعلى فلان من الناس أو لم يحل.
فقد عرفنا نحن بالوحي أن رضوان الله الأكبر حل على كل من حضر معركة بدر وكل من بايع تحت الشجرة، فهم أقوام بأعيانهم، أخبر الله عنهم رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن لا يمكن أن نقول: الآن من جهز ثلاثة آلاف مجاهد مثلما فعل عثمان حلَّ عليه رضوان الله قياساً على عثمان، بل لا يعلم من تقبل منه، قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:٢٧].
فإن قيل: يمكن أن يحل رضوان الله الأكبر يقع على بعض الناس اليوم؟ فالجواب: قال جل وعلا: {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء:٢٠]، نسأل الله أن يحل علينا رضوانه الأكبر الذي لا سخط بعده، ونحن لا نمنعه أبداً لكننا لا نطلع عليه؛ لأن الوحي قد انقطع، وهو لا يعلم إلا عن طريق الوحي، لكن نسأل الله أن نكون ممن حل عليه رضوانه الأكبر الذي لا سخط بعده.
والرضوان ينقسم إلى قسمين: رضوان أصغر، ورضوان أكبر.
فالرضوان الأصغر: هو المتعلق بذنب بعينه، كمن أسلم بعد الكفر، أو تاب من ذنب معين فتاب الله عليه، فهذا رضوان أصغر، يمكن أن يذنب الإنسان بعده ويكتب عليه ذلك الذنب.
والرضوان الأكبر: هو الذي يغفر ما تقدم من الذنب وما تأخر، ومما يدخل في الرضوان الأكبر ما أخرجه البخاري في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد يذنب ثم يقول: يا رب أذنبت وعلمت أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فقد استغفرتك وتبت إليك فاغفر لي، ويقول الله: قد فعلت، ثم يمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يذنب، فيقول: يا رب أذنبت وعلمت أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فقد استغفرتك وتبت إليك فاغفر لي، فيقول الله: قد فعلت، ثم يمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يذنب، فيقول: يا رب أذنبت وعلمت أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فقد استغفرتك وتبت إليك فاغفر لي، فيقول الله: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، لا يضر عبدي ما فعل بعدها أبداً)، فهذا يحل عليه رضوان الله؛ لكننا لا نعرف هذا بعينه، ولا نعرف أن الله أجاب أحداً منا بهذا إلا عن طريق الوحي، والوحي قد انقطع بموت النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن هذا من الرضوان الأكبر، لأنه في المرة الأولى قال: (قد فعلت)، وهذا رضوان أصغر، والمرة الثانية أيضاً رضوان أصغر، والمرة الثالثة رضوان أكبر.