للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علاج مرض الشهوة]

فالشهوة علاجها: أن يتذكر الإنسان أن محبوبه من الدنيا والذي يتعلق قلبه به، نهايته في القمامة، إذا تعلق قلب الإنسان بإنسان آخر فأحبه، ليتذكر مضي أسبوع عليه تحت التراب في القبر، هل يسره أن يراه وقد انتفخ بدنه وتشقق وأكل الدود ما في عينه، وهو يعلم أنه ميت لا محالة؛ فلذلك على الإنسان إذا أحب إنساناً أن يتذكر حاله بعد الموت، وبعد الدفن، وماذا سيحصل من التغير فيه، هل يحب أن تنبش له عظامه ويراها؟! هذا هو الأمر الأول.

كذلك إذا أحب شيئاً من أمر الدنيا الآخر، كأن أحب داراً من الدور الشاهقة، فليمكث مدة وسيراها في القمامة، سيرى حطامها وقد استأجروا عليه بالأموال الطائلة لينقل إلى القمامة، ومن طال عمره شاهد ذلك في هذه الحياة، يشاهد الدور التي بناها أهلوها بأغلى الأثمان، وتكلفوا عليها الدراسات، وهي تنقل بعد أن تأذوا بأنقاضها وأوساخها، ويستأجرون من ينقلها عنهم إلى القمامة، وكذلك الثياب والفرش والسيارات، إذا تمتع بها الإنسان مدة يسيرة، بحث عنها فوجد بقاياها في القمامة، فالسيارة الفارهة أين توجد بقاياها؟! سترمى في القمامة، والملابس والفرش الغالية أين توجد؟! ستوجد نهايتها في القمامة، فإذا عرف الإنسان هذا هانت عليه ملذات الدنيا وشهواتها.

ثم عليه أن يفكر أيضاً، فليقدر أنه فعلاً قد وصل إلى ما اشتهاه وتمناه، فالشهوة إنما تتعلق بأمر دنيوي، لا تتعلق بأمر الآخرة، فإذا أحب أمراً دنيوياً فليتصور في نفسه أنه وصل إليه فعلاً، لكن ثم ماذا؟ ألم يصل من قبل إلى كثير من الأمور؟ ألم يتعلق قلبه بكثير من الأمور فنالها؟! إذا كان ذلك شهادة عالية، ليفكر أنه من قبل قد نال بعض الشهادات، ونجح في بعض الامتحانات، فما فائدة ذلك؟ ما الذي حصل؟ هل تغير حاله؟ لا، بل هو هو، ثم عليه أن يفكر في نفسه على أنه قد بلغ مناه ووصل إلى هذه الوظيفة، ثم ماذا؟ كذلك أي مبتغى من أمور الدنيا، إذا أحب مالاً أو تجارة أو مكانة اجتماعية أو جاهاً، أو أي شيء من أمر الدنيا، ليتصور في نفسه أنه قد وصل إليه فعلاً، فإنه سيحتقره غاية الاحتقار؛ لأنه كان يتمنى أموراً أخرى، فلما وصل إليها امتهنها واحتقرها ولم يقنع بها، ورغب فيما ورائها، فلذلك يحتاج الإنسان إلى أن يعلم أن شهوات الدنيا منتهية مملولة، وأن كل ما فيها من الشواغل، لا ينبغي أن يتعلق به العاقل لسرعة ذهابه وزواله وتغير حاله.

وعليه أن يتعلق قلبه بما لا يفنى ولا يبيد، وبما لا يمل بوجه من الوجوه: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:٢٥]، فإذا تعلق بما عند الله، ورغب في الدار الآخرة، كان من أهلها كما قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء:١٨ - ١٩]، وكما قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى:٢٠].