للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النيات التي ينبغي استحضارها عند الذهاب إلى المسجد]

ومن هنا فإن نيات الذهاب إلى المسجد ينبغي أن تكون حاضرة في الأذهان، فهذا المسجد الذي نقصده ونكثر الخطا إليه لابد أن تكون نياتنا في قصده واضحة لأذهاننا.

فالنية الأولى: الاستجابة لداعي الله عندما نسمعه ينادي: حي على الصلاة.

حي على الفلاح.

فنجيب داعي الله سبحانه وتعالى.

النية الثانية: أداء ما افترضه الله تعالى علينا على الوجه الأكمل، حتى تكون صلاتنا حائلة بيننا وبين معصية الله تعالى مقربة لنا إلى مرضاته.

النية الثالثة: ما وعدنا الله تعالى به من الأجر في الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وما جاء في الصف الأول، وغير ذلك من الأجر الكثير في قصد المساجد والمشي في ظلمات الليل إليها، كما قال رسول صلى الله عليه وسلم: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ كثرة الخطا إلى المساجد، وإسباغ الوضوء على المكاره، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط).

ثم بعد هذا نية الجهاد في سبيل الله، فقد أخرج مالك في الموطأ عن أبي بكر بن عمرو بن حزم: (من ذهب إلى المسجد لا يخرجه إلا علم يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله رجع غانماً).

كذلك نية تعليم من في المسجد ونية التعلم منهم، فكل ذلك مطلوب شرعاً، وإذا خرجت من المسجد ونويت أن تعلم من احتاج، فإذا رأيت مقصراً في أمر من أمور صلاته أو من أمور ديانته في المسجد خلوت به فعلمته بكل رفق وبكل لين، وسألته: هل فعل ذلك عن جهل أو عن علم؟ وسألته: لم فعلت هذا؟ فإن أجابك بعلم عرفت الوجه الذي قصده، وإن كانت المسألة خلافية لم تتعرض لها، وإن أجابك عن جهل أو استشفيت منه جهلاً بالمسألة علمته بكل لطف ورفق، فتكون بذلك من الذين يعمرون المسجد بتعليم العلم.

ثم بعد هذا أن تتعلم منهم، وهذا التعلم لا يقتصر على ما تسمعه بأذنك، بل ما تشاهده بجوارحك من الليونة في أيدي المسلمين، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لينوا في أيدي إخوانكم)، ومن استواء الصفوف، ومن الأخلاق الحسنة، ومن الابتسامة في وجه أخيك المسلم، وغير ذلك مما تتعلمه في المسجد.

ثم بعد هذا نية الرباط، وهي أن تربط جوارحك في هذه الساعة عن معصية الله، فهذه الجوارح إذا خرجت إلى الشارع لابد أن تشاهد بعض ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، وإذا ذهبت إلى البيت فكثيراً ما تقع أيضاً في معصية من معاصي الله، أما ساعتك التي تجلسها في المسجد بقلب سليم مقبل على الله فإن جوارحك ممسوكة عن المعصية، فأنت هنا معتكف عن معصية الله تعالى قد كبحت جماح جوارحك، فسمعك مشغول بذكر الله، ولسانك مشغول به، وبصرك مشغول عن النظر إلى ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى ما دمت في المسجد.

كذلك من هذه النيات نية التماس البركة من المسجد، فهذه البقعة هي أحب البقاع إلى الله، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أحب البقاع إلى الله مساجدها، وأبغض البقاع إلى الله أسواقها)، وهذا سوق الله، وأنت جئت تريد أن تكون من المشترين في سوق الله وأن تكون من العمال لهذا السوق.