للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وسائل التفاهم]

البشر لا يمكن أن يتفاهموا إلا عن طريق وسائل الحس، وهي الحواس الخمس؛ لأن وسائل العلم لدى الإنسان ثلاث هي: العقل، والروح، والحس: والعقل لا يمكن أن يتفاهم عن طريقه؛ لأنه من الأمور المعنوية غير الحسية.

والأرواح يمكن أن تتعارف، لكن لا يمكن أن تتفاهم، ولهذا حصل التعارف بينها في عالم الذر، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري تعليقاً في الصحيح، وأخرجه مسلم مسنداً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف).

لكن التفاهم إنما يتم عن طريق إحدى هذه الحواس، وهذه الحواس مدركاتها هي المسموعات والمبصرات، والملموسات، والمشمومات، والمذوقات.

وقد جعل الله تعالى أصناف الحيوان تتفاهم عن طريق هذه الوسائل، فمن الحيوانات ما يتفاهم عن طريق إفراز رائحةٍ يحصل بها التفاهم والتعارف بفطرة الله لها على ذلك، كالنحل وغيره من الحيوانات، ومنها ما يمكن تفاهمه عن طريق السمع، وما يمكن تفاهمه عن طريق البصر بالإشارات والحركات، ومنها ما يمكن تفاهمه عن طريق اللمس، لكن الذوق لا يمكن أن يحصل التفاهم عن طريقه؛ لأن الطعوم محصورة، وقد صرح العلماء بأن أنواع الطعوم خمسة هي: الحلاوة، والمرارة، والمزية، والملحية، والتفاهة، فهذه خمس هي أصل الطعوم كلها.

أما المرئيات المشاهدات، وكذلك المسموعات، فهي كثيرة جداً يمكن التفاهم عن طريقها، وبهذا تخلص لنا جارحتان للتفاهم فيما بين الإنسان فالتفاهم بين بني آدم لا يتم إلا عن طريق السمع، أو عن طريق البصر.

أما عن طريق السمع فإنهم بالإمكان أن يسمعوا الكلام، وأما عن طريق البصر، فإنهم بالإمكان أن يقرءوا الكتابة، وأن يفهموا الإشارات، وهاتان الوسيلتان يمكن أن تفي بمقصود الإنسان، لكن جعل الله بعض بني آدم عمياً وجعل بعضهم صماً، فالعميان لا يمكن أن يتفاهموا عن طريق البصر مع غيرهم، والصم لا يمكن أن يتفاهموا عن طريق السمع مع غيرهم، فبقي التوازن بين هاتين الحاستين، لكنه جعل الزمن أيضاً مقسوماً بين ليل ونهار، وقد محا الله آية الليل وجعل آية النهار مبصرة، وبذلك ازدادت نسبة العميان في البشر بوجود الليل، فكان التفاهم عن طريق السمع أقوى وأوسع من التفاهم عن طريق البصر، ومن هنا جعل الله هذه اللغات هي أساس التفاهم بين الناس.