للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلاقة بين توحيد الربوبية وغيره من أنواع التوحيد]

والإيمان بالله سبحانه وتعالى بأنواع توحيده الثلاثة مترابطة بعضها يكمل بعضاً، فالربوبية من لوازمها توحيد العبودية الذي سبق، وكذلك توحيد الأسماء والصفات الذي سبق؛ لأن الربوبية تستلزم هذه المعاني التي ذكرناها، فلا يمكن أن يكون رباً لما سواه إلا إذا كان قديما باقياً موجوداً متصفاً بالصفات التي ذكرناها.

(بالربوبية وحدوه) أي: أثبتوها له وانفوها عما سواه، فهذا يجمع بين النفي والإثبات.

(فهو الذي تعنو له الوجوه) معناه: فهو وحده الذي تعنو له الوجوه، أي: يحشر الناس إليه يوم القيامة، فهو وحده الذي يقبض السماوات والأرضين بيمينه ويهزُّهن ويقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ولذلك قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧]، وهذا هو غاية الربوبية، إذ غايتها إذعان الناس جميعاً إليه يوم القيامة بحيث لا يخالف أمره أي أحد، ولا يستطيع أحد أن يتأخر ولا أن يغيب ولا أن يعتذر بأي عذر من الأعذار، وهو سبحانه قبض السماوات والأرضين بيمينه وهزهن؛ فلذلك قال هنا: (فهو الذي تعنو له الوجوه).

ولذلك حين ذكر الله سبحانه وتعالى مشاهد القيامة قال: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه:١١١]، وهذا يقتضي مذلة الوجوه لوجهه الكريم، ففي الدنيا إنما تذل له وجوه عباده الموحدين، فهم الذين يسجدون له، وأما يوم القيامة فتعنو له جميع الوجوه وتذل، فكل وجه يذل لوجه الله سبحانه وتعالى.

وهذا دليل على تمام ربوبيته، لكنه كذلك مثبت لأمر آخر، ومشهد من مشاهد القيامة، وهو أن تعنو جميع الوجوه لله سبحانه وتعالى، وهو المذكور في قوله: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه:١١١]، وقد رتب الشيخ ذلك على الربوبية بقوله: (فهو الذي تعنو له الوجوه).

والوجوه جمع وجه، وهو ما يقابلك ممن واجهته، فيشمل ذلك وجوه الخلائق كلها بهائمها والجمادات والأموات، ولهذا تقول: هذا وجه الجبل، وهذا وجه الكتاب، وهذا وجه فلان.

فالمقصود به ما يواجهك أياً كان؛ ولذلك فهذا يشمل وجوه الكائنات الحية والجمادات وغيرها، فكل تلك الوجوه تعنو له.