للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال المؤمن والكافر عند نزع الروح]

السؤال

هل صحيح أن الميت ترجع إليه روحه في قبره، ثم تفارقه يوم البعث؟

الجواب

الميت ترجع إليه روحه عند السؤال، فإن الإنسان إذا كان في إدبار من الدنيا وإقبال من الآخرة جاءه ملك الموت، فجلس عند رأسه، فإن كانت نفسه طيبة قرئ عليه قول الله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:٢٧ - ٣٠]، فتتهوع روحه من فيه كما تتهوع القطرة من في السقاء، فينظر إلى الملائكة كأن وجوههم الشموس مد البصر، مادي أيديهم، فلا تمكث روحه طرفة عين إلا تناولوها، فيضعونها في كفن من أكفان الجنة، وطيب من طيب الجنة، ثم يرتفعون بها، فيستأذنون في السماء، فيفتح لهم، حتى تخر نفسه ساجدة تحت العرش، يقال: مرحباً بالنفس الطيبة، ثم يؤذن لها فيقال: ارجعي من حيث جئت، فترجع إلى البدن لسؤال الملكين.

وإن كانت النفس خبيثة جاءها ملك الموت وجلس عندها وقال: يا أيتها النفس الخبيثة! اخرجي إلى سخط من الله وعذاب، فتتفرق نفسه في بدنه، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف، فيخرجها فيسلمها إلى أولئك الملائكة الذين هم مد البصر مادي أيديهم، فيدعونها في حنوط من حنوط النار، فيرتفعون بها إلى السماء، فيستأذنون، فيقال: لا مرحباً بالنفس الخبيثة، وأولئك الذين {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:٤٠]، فلا يؤذن لها، فترجع دون السماء، نسأل الله السلامة والعافية.

ثم بعد ذلك تكون أرواح السعداء في حواصل طير خضر تتفيأ من ظلال الجنة حتى الحشر، وأرواح الأشقياء تكون في أفنية القبور فيما هي فيه من التعذيب حتى تعود.

ومن هنا فليس الموت بفناء محض بل هو حياة من جنس آخر، فالحياة البرزخية تختلف عن حياة الدنيا، فأنواع الحياة ثلاثة: الحياة الدنيا والغالب فيها البدن فهو أغلب من الروح، فلذلك لا يستشعر الإنسان حركات روحه ولا يستشعر عروجها وصعودها وحركتها، وإنما يستشعر بدنه وما فيه من الجوارح وما يحس به من الألم أو اللذة.

بعدها الحياة البرزخية وهي حياة تغلب فيها الروح على البدن، فالبدن تأكله التراب إلا عظماً واحداً منه بدأ ومنه يركب، وهو عجب الذنب، والروح تبقى محبوسة، ثم بعد ذلك الحياة الأخروية وهي الحياة الحقيقية التي تستوي فيها الروح والبدن: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:٦٤].