ومن هنا فإن علينا أجمعين أن نستحضر هذا الشق العظيم من تكاليفنا، وأن نعلم أن التكاليف التي اختارها الله وظيفة للأنبياء هي أشرف مما سواها، ولذلك فإن المقاصد الشرعية مبنية على ست مصالح هي أصول التشريع، وهذه المصالح لابد من مراعاتها، وهي: أولاً: الحفاظ على الدين، ثم الحفاظ على النفس، ثم الحفاظ على العقل، ثم الحفاظ على المال، ثم الحفاظ على العرض، ثم الحفاظ على النسب.
فهذه الستة هي أصل المقاصد، وهي الضروريات بالنسبة للإنسان، وهذه أهمها مصلحة الدين، فإذا اقتضت مصلحة الدين إهمال الحفاظ على النفس تقدم الشخص لينال الشهادة في سبيل الله، وإذا اقتضت مصلحة الدين إهمال مصلحة المال جاء الشخص يحمل ماله في سبيل الله كما فعل أبو بكر رضي الله عنه، وإذا اقتضت مصلحة الدين التجرد من العرض جاء الإنسان يقول كما قال حسان رضي الله عنه: فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء لساني صارم لا عيب فيه وبحري لا تكدره الدلاء وإذا اقتضت مصلحة الدين أن تهمل لها مصلحة العقل بادر الإنسان لمصلحة الدين وجعلها أعظم مما سواها، فهو يطلب الشهادة ويطلب أن تقطع أعضاؤه في سبيل الله.
فمعنى ذلك أنه قد بايع الله تعالى على كل ما عنده:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ}[التوبة:١١١] , وأن الوفاء بحق هذه البيعة مسئول عنه، فهذا عهد الله:{وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولاً}[الأحزاب:١٥] , هذا عهد الله علينا أجمعين رجالاً ونساءً، عهد الله علينا هو هذه البيعة التي أخذ علينا أو أكد علينا في كتابه وفي التوراة والإنجيل، ولا يمكن أن يتجاهلها أحد، فيوم القيامة إذا جيء بكل إنسان منا يحمل طائره في عنقه ويخرج له كتاب يلقاه منشوراً، ويأتي معه سائق وشهيد، وتأتي نفسه بما كسبت رهينة فإنه سيكون مسئولاً يوم القيامة عما قدم لنصرة دين الله.
وحينئذ ينبغي أن يبلغ الشاهد الغائب، وأن نستحضر مسئوليتنا عن دين الله تعالى، وأن نعلم أن أنفسنا لو اعتدي عليها أو اعتدي على أموالنا أو بيوتنا فستثور ثائرتنا للدفاع عن أنفسنا أو عن أموالنا أو عن بيوتنا، من رأى قوماً يأتون وبأيديهم المعاول وهم يريدون هدم بيته لابد أن يبذل جهده في دفعهم عنه، أليس كذلك؟ بلى.
فمن رأى دينه يهدم فلم يشارك في الدفاع عنه فإن معناه أنه قد خسر الدنيا والآخرة، خسر في صفقته، فبيته الذي هو من طين تافه سينتقل عنه اليوم أو غداً كان أهم عنده وأكبر في نفسه من دينه الذي هو قيمته وهو حظه عند الله تعالى في الدنيا والآخرة.
إن هذا المثال واضح للجميع، لكن المشكلة أن كثيراً منا يتناساه فيستحضره في المسجد، ويستحضره في وقت الدروس وينساه في غير ذلك.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على رعاية ودائعه وما أودعنا من شرائعه، وأن يجعلنا من الآخذين بها.