للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اللجوء إلى الله في كل أمر]

كذلك من علامات الخشية، أن لا يشعر الإنسان بالاستغناء عن الله، بل يشعر باللجأ إليه في كل الأحيان، فالإنسان الذي نراه يمد أيدي الضراعة إلى الله في كل أحيانه، ويستند إليه في كل وقته، ويستغني به عمن سواه، ويتذكر قول الله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر:٣٦]، ويحرص على إحسان العلاقة بالله سبحانه وتعالى، ولا يهمه ما سوى ذلك إذا رضي الله عنه، لا يضره ما لم يتحقق من شئونه، فهذا الإنسان قطعاً يخاف الله؛ لأنه أحب الله وأحب رضوانه وتعلق به، وكره معصيته ومخالفته لعلمه ما يترتب على ذلك من العقاب الشديد.

ومن آثار هذا محبة الإنسان لأعمال الخير التي هي الجنة، وكراهته لأعمال الشر التي هي النار، هذا دليل على خشيته لله.

فهذه الأعمال أعمال الخير: الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، والصدقة، وقراءة القرآن، وتعلم العلم والدعوة إليه، هذه هي الجنة، أي: أبواب الجنة، فمن أحب الجنة فلا يمكن أن يرد إليها إلا من هذه الأبواب، فليس للجنة إلا هذه الأبواب.

فمن أحب أن يكون من أهل الجنة عليه أن يلزم هذه الأبواب، عليه أن يجيب نداء الله إذا سمع المنادي ينادي: حي على الصلاة، حي على الفلاح، أن يبادر للصدقة في أول المتصدقين في أول كل يوم، أن يكون من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، أن يكون من المنقطعين عن المعاصي في كل الأوقات، وبهذا فعلاً يكون من المقبلين على الله سبحانه وتعالى، والجادين في طلب الجنة.

أما الذين يتمنون الأماني ويظنون أن كل إنسان منهم سيؤتى صحفاً منشرة، فقد سبقهم المشركون إلى ذلك، فكل إنسان من المشركين واليهود والنصارى يتمنى دخول الجنة، لكن هيهات هيهات، ليست الجنة لأولئك ومن على شاكلتهم، بل بينهم وبين الجنة حاجز عظيم: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحديد:١٣ - ١٥]، فليست محبة الجنة بمجرد التمني، وليس الخوف من النار كذلك بمجرد التمني، ولكن من أحب الجنة أحب عملها وبادر إليه، ومن خاف النار خاف عملها وكرهه وأدبر عنه.