إن نسبة هذا العلم إلى سائر العلوم هي نسبة العموم والخصوص الوجهي؛ لأنه يشترك مع هذه العلوم في المنبع والمأخذ، فكل العلوم الشرعية مأخذها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتطويرها باجتهادات أهل العلم الراسخين فيه، فالمأخذ، واحد فتشترك في بعض الجوانب فيما بينها، فمثلاً كثير من صفات الله سبحانه وتعالى ستبحث هنا في المجال العقدي، لكنها تبحث أيضاً في مجال الحديث؛ لأنها رويت بأسانيد سيبحث في صحة تلك الأسانيد وضعفها، فإذاً هذه مما يشترك فيه علم الحديث مع علم الاعتقاد.
كذلك بعض الصفات يبحث فيها أيضاً في التفسير؛ لأنها جاءت في القرآن، فيشترك مع علم التفسير من هذا الوجه.
كذلك مع العلوم اللغوية، فالعلوم اللغوية هي التي يبحث فيها في دلالات النصوص من القرآن والسنة، وهذه النصوص دلالاتها ترجع إلى أمرين: دلالات الألفاظ من حيث وضعها، أي: ما تدل عليه وضعاً، وهذا البحث فيه لغوي محض، ثم دلالاتها من حيث الاستنباط:{لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء:٨٣]، وهذه دلالة جانبية غير الدلالة الوضعية الأصلية، فتشترك العلوم اللغوية مع العلوم الشرعية من هذا الوجه.
فإذاً لا يمكن أن يستقل هذا العلم عن غيره من العلوم؛ لأن نسبته إلى غيره من العلوم نسبة العموم والخصوص الوجهي، فيشتركان في شيء وينفرد كل واحد في شيء يختص به، وهذا معنى هذه النسبة.
أما مستمد هذا العلم فهو الوحي بنوعيه القرآن والسنة، وقضايا العقول التي تنبني على ما ذكر في الوحي، هذا مستمده الذي يرجع فيه إليه، يمكن أن يضاف إلى هذا أن ترتيب حججه يرجع فيه أيضاً إلى علم الجدل وعلم المنطق للحاجة إليهما في ترتيب الحجج، فهما قالب ومعيار يوزن فيه كل شيء، فيمكن أن يستغلا في أي علم من العلوم، فإذا أردنا إثبات أي شيء عن طريق العقل فإننا لابد أن نرجع إلى القواعد المنطقية، وإذا أردنا المناقشة في أي شيء لبيان صوابه أو خطئه لابد أن نرجع إلى علم الجدل.