وأول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم صياغة الرجال، فقد بدأ بتكوين أولئك القوم وتربيتهم على خلاف مفاهيم الجاهلية، فأزال من أذهانهم كل ما يتصل بالجاهلية، فتلك المفاهيم الخاطئة التي كانت سائدة في الجاهلية عالجها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى محاها بالكلية، ولذلك قام فيهم خطيباً ذات يوم فقال:(إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتفاخرها بالآباء).
فقد أذهب الله عنهم ذلك بالكلية، وأصبح الرجل منهم يعرف أن أباه عدو له، وأن أخاه عدو له إذا لم يسر معه على طريق الحق.
ولهذا أنزل الله فيهم:{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ}[المجادلة:٢٢]، انظروا إلى الفرق الشاسع والكبير بين حالهم وحال أهل الجاهلية الذين كانت القبيلة بكاملها تقاتل من أجل نصرة فرد من أفرادها ظالم وقع في ظلم سافر، ومع ذلك تنصره القبيلة بكاملها، فإذا غضب غضب لغضبه سبعون ألفاً لا يسألون مما غضب، كما قال الأحنف بن قيس.
فهم بعد هذا أصبحوا يقاطعون ويقاتلون آباءهم وإخوانهم وأبناءهم وعشيرتهم في ذات الله عز وجل.