للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[مسمى أهل الكتاب]

السؤال

هل يطلق مسمى أهل الكتاب على غير اليهود والنصارى؟

الجواب

مسمى أهل الكتاب، إنما يطلق على اليهود والنصارى، وأطلق في سورة المائدة على فئة ثالثة هي فئة الصابئين، وقد اختلف في الصابئين، فذهب بعض الناس إلى أنهم صابئة أهل العراق وأهل حروراء، وهؤلاء طائفة من النصارى قد حرفوا ملتهم مثل السامرية من اليهود.

وقالت طائفة أخرى: بل هم أتباع يحيى بن زكريا عليهما السلام.

ولكن الراجح أن يحيى لم يكن له أتباع يختصون به، بل كان مجدداً لملل الأنبياء من قبله ومعاصراً لعيسى عليه السلام، ومصدقاً به كما أخبر الله بذلك في وعده لزكريا عليه السلام: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران:٣٩]، فهو مصدق بعيسى بن مريم.

وذهب آخرون إلى أن الصابئين هم أتباع إبراهيم عليه السلام، وقد أثبت الله في كتابه أن إبراهيم اتبعه قومه؛ ولذلك قال: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:٦٨]، فقوله: (الذين اتبعوه) يقتضي جمعاً، وهو لم يؤمن به من قومه إلا لوط وسارة، لذلك قال: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت:٢٦]، وعلى هذا فقد اتبعه قومه، ولا ندري أين استقروا، ولكن أرجح الأقوال في تفسير الصابئين أن الذين أطلق عليهم هذا الاسم في القرآن هم من أتباع ملة إبراهيم، وقد بقي في ذريته بعض ملته، كما بقي في ذرية إسماعيل من ملته الحج وعقد النكاح وغسل الجنابة، والضيافة، وخصال الفطرة.

وعموماً فالصابئة الموجودون اليوم في العراق الراجح فيهم أنهم ليسوا أهل كتاب أصلاً وإن سموا أنفسهم صابئة؛ ولذلك فإن ملتهم أو ما يسلكونه من الطقوس يشبه إلى حد كبير ديانة البوذيين، ويزعم بعض الناس أن أحد فلاسفة المسلمين هو الذي سماهم صابئة؛ كما سيأتي.

ومذهب الجمهور أن الجزية لا تؤخذ إلا من اليهود والنصارى فقط، لقول الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:٢٩].

وذهب مالك إلى جواز أخذها من الكفرة جميعاً، وقال: إن الأصل في إباحة أخذ الجزية من الكافر أنه سيكون من رعايا الدولة الإسلامية، وأن الشعوب بكاملها إذا أذعنت لا يمكن أن تعرض على السيف، فليس لها حل إلا أن أخذ الجزية؛ ولذلك رأى أن الشعوب إذا دعيت فلم تستجب إلى الإسلام، ولكن قبلت الدخول تحت حكمه فإنها تؤخذ منها الجزية بغض النظر عن ديانتها، هذا مذهب مالك.

لكن مذهب الجمهور أن الجزية تختص بأهل الكتاب من اليهود والنصارى، ويلحق بهم المجوس لحديث عبد الرحمن بن عوف: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير آكلي ذبائحهم ولا محلي نسائهم)، وفي رواية: (ولا ناكحي نسائهم)، ولم يبق من سنة أهل الكتاب إلا أخذ الجزية منهم.

ويقال: إن المأمون أراد أن يعرض هؤلاء القوم وهم بالعراق على السيف أو يسلموا؛ لأنهم ليسوا أهل كتاب ولم يرد أن يأخذ جزيتهم، فشكوا إلى أحد فلاسفة المسلمين، فقال: ادعوا أنكم الصابئة، فادعوا ذلك، فلما أراد المأمون محاكمتهم جاء هذا الفيلسوف فجادل عنهم، وقال: إن أهل الكتاب لا ينحصرون في اليهود والنصارى فقط، بل الصابئون كذلك بنص القرآن -وقرأ عليه الآيات الواردة في ذلك- وهؤلاء هم الصابئون فتركهم، ومن ذلك الوقت سموا أنفسهم بالصابئين.

ويترتب على الخلاف السابق قضية أخرى، هي قضية استباحة دماء الكفار دون دعوة، فمذهب الجمهور: أنه لا يحل استباحة دمائهم وأموالهم إلا بعد دعوتهم، وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: يجوز أن تهاجم الكافر فتقتله ولو لم تنذره، واستدل على ذلك بقول الله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة:٥]، فيقول: الذي يقعد في المرصد لن ينادي من يترصده ويقول: يا فلان أسلم أو أقتلك، لأنه إنما اختفى يريد أن يقتله.

ولعل مذهب الجمهور في هذا أولى؛ لأن سبب النزول يقيد، وبالأخص انتهاء الأشهر الأربعة التي أعطى الله تعالى مهلة للمشركين بعد منعهم من دخول المسجد الحرام بسورة براءة في العام التاسع من الهجرة.

وعلى كل ينبغي عدم التسرع في الحكم في مسألة السماع وقيام الحجة، فإنه مما لا خلاف فيه بين الأمة أن بلوغ الدعوة شرط من شروط وجوب الأحكام.

وبلوغ الدعوة لا يكون إلا عن طريق المسلمين، أما بلوغها عن طريق وسائل الإعلام المشوهة، فقد لا يتحقق به بلوغ الدعوة تماماً.