إن ما كنا نقوله من النصح الموجه إلى حكام المسلمين نظيره أيضاً موجه إلى شعوب المسلمين، فإنهم جميعاً مخاطبون بهذا الخطاب، وعليهم أن يبذلوا ما يستطيعون لإخوانهم، وأقل ما يستطيعونه التوعية والإحساس بواقع إخوانهم، والشعور بذلك، فلاشك أن أي أحد لو كان والده أو أمه أو أخوه يعاني من أشد الألم ويصرخ في المستشفى لا يمكن أن يجد راحة بال ولا استقراراً وهو يسمع ذلك الصراخ من أحب الناس إليه وأقربهم إليه، أفلا نؤمن بأن الذين يصرخون الآن ويعانون هم من إخواننا؟ إننا جميعاً أسرة واحدة، وإن ما يشكوه فرد واحد من أفراد هذه الأسرة لابد أن يشكوه كل الأفراد، إن ذلك مقتضى الإيمان.
إن هذا الحال الحاصل لا يمكن أن يقر عليه بوجه من الوجوه، فلذلك لابد من العناية بتقصي الأخبار والعناية بالصدق في نقلها، والعناية بتوعية المسلمين بها، والعناية بأداء حقوق هذه الأمة، وأداء حقوق أولئك المستضعفين إليهم، وأن يقوم كل إنسان بما يستطيعه، فأين الذين يريدون أن يكونوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة في الجنة كهاتين -أي: الأصبع الوسطى والسبابة-؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين).
إنهم يتامى كثر ينتظرون من يؤويهم، وأيامى كثر كذلك ينتظرن من يقدم لهن أية مساعدة، وشيوخ ركع قد أذلوا وأهينوا، كل أولئك من إخواننا المؤمنين الذين نسمع صراخهم ونداءهم في كل الوسائل التي ندخرها في بيوتنا، وهم سيطالبون بين يدي الله بحقوقهم.
والمؤسف أن هذا إذا تجاوز هذا المدى فسيصل إلينا أيضاً، فهو سيل جارف امتحننا بحصوله في الآفاق، وإذا لم تنجح في الامتحان فسيصل إلينا في بيوتنا، فهل لدينا عهد من الله أن لا يصيبنا مثل ما أصاب أولئك القوم؟! إن كل بلد من البلدان الإسلامية هو عرضة لأن يصيبه ما أصاب أولئك، فإذا لم يقم أهله بالحق الذي عليهم حقت عليهم كلمة الله، وتحقق عليهم ذلك الوعد الذي لا يخلف.
إننا جميعاً إذا أحسسنا بمسئوليتنا فلابد أن يكون لنا أثر، فهذه الأعداد الهائلة من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إذا عبرت عن رفضها لهذا الواقع، وأدت ما تستطيعه ولو بقدر ضئيل، وإذا لم يقدم المسلمون إلا عشر معشار ما يملكونه ويستطيعونه فإن ذلك كاف لإنقاذ فلسطين ومن عليها.
وعلينا أن نعلم أن اليهود إنما كانوا شرذمة يسيرة قليلة قد كتب الله عليهم الذلة والهوان {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ}[البقرة:٦١]، ومع ذلك اجتمعت كلمتهم فاستطاعوا أن يقيموا دولتهم، وأن ينتصروا لأمجادهم، وأن يحققوا أهدافهم.
ونحن -معاشر المسلمين- أهل العزة والكرامة، ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى كتب العزة لنا، لكن شرط ذلك بانتهاج منهجه الذي ارتضى لنا.
ونحن -كذلك- أعداد كثيرة لن نهزم عن قلة، ونحن -كذلك- أهل طاقات جبارة، ومع هذا فتلك الشرذمة القليلة المهزومة التي كتب الله عليها الذلة والصغار، وتأذن لها إلى يوم القيامة من يسومها سوء العذاب، مع ذلك تفعل فينا الأفاعيل! فإلى متى سيستمر هذا الوضع؟! إنه لابد من التعبير عن رفض هذا الحال، وأن يكون ذلك بلسان الأفعال لا بلسان المقال.