ومن حكم ختم الأمم بهذه الأمة أن هذه الأمة هي شهود الله على الأمم يوم القيامة، والشهادة من شرطها العلم، لقول الله تعالى:{وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ}[يوسف:٨١]، ولقوله:{إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[الزخرف:٨٦]، وفي حديث ابن عباس الذي أخرجه البيهقي في السنن بإسناد ضعيف، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(أترى الشمس؟ قال: نعم، قال: على مثلها فاشهد أو دع).
وعلى هذا فلا يشهد الإنسان إلا على ما علم، ومع ذلك فهذه الأمة شهود الله على الناس، فلو كانت هذه الأمة سابقة لوقتها، لما جاز لها أن تشهد على من يأتي بعدها من الأمم؛ لأن ما يأتي بعدها سيكون مجهول الخبر، فتقدمتها الأمم حتى تشهد عليها؛ ولهذا قال الله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[البقرة:١٤٣].
وما من نبي إلا يخاصمه قومه يوم القيامة فيقولون:{مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ}[المائدة:١٩]، فيقال: ومن يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، حتى أن نوحاً يخاصمه قومه فيقولون: ما جاءنا من بشير ولا نذير، فيقال: ومن يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيؤتى برسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته فيستشهدهم نوح فيقولون: بلى قد مكثت فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، فيشهدون له.
ولا عبرة بكثيرة الانتساب إلى الديانات المحرفة، فملة عيسى وأتباع عيسى انتهت تبعيتهم لعيسى ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن عيسى بريء منهم بعد أن أخذ عليهم العهد إذا جاء النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبعوه؛ وكذلك أتباع موسى فبمجرد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم انتهى أتباعه؛ لأنه أخذ عليهم العهد أن يتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم، فكل من بعد النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى ليسوا من أتباع عيسى ولا من أتباع موسى؛ بل هم من أتباع الشيطان، فقد غيروا العهد الذي أخذ عليهم أجمعين.
ومن هنا فلا تغتر بكثرة الذين يزعمون أنهم نصارى اليوم، ويزعمون أن أكثر الأديان انتشاراً في العالم الدين النصراني، فهذا ليس دين عيسى الذي جاء به، بل دين عيسى الذي جاء به مقتض لاتباع محمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث، وترك ما كان معهم بالكلية.