سابعاً: التماس المنحة في المحنة: فإن لله سبحانه وتعالى حكماً بليغة، وكثيراً ما تتحول المحنة إلى منحة، وذلك من لطف الله سبحانه وتعالى، ولهذا يقول أحد العلماء: لا تكره المكروه عند حلوله إن الحوادث لم تزل متباينه كم نعمة لا تستقل بشكرها لله في طي المكاره كامنه فكثيراً هي المحن والبلايا التي تئول إلى منحة، ولولاها لما تحقق للإنسان مراده، فهذا يوسف عليه السلام أراد الله أن يجعله ملكاً على مصر، ولو جاء بجيش عرمرم إلى مصر لقاتله ملوكها ولم يستطع أن يتملك على أهلها، ولكن أتى به عبداً وسلط عليه أقرب الأقربين ليرموه في الجب، وقديماً يقول الشاعر: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند ومع ذلك فيؤتى به في صورة عبد ويباع بثمن بخس دراهم معدودة، ويسجن بعد ذلك مدة طويلة ليكون بهذا ملكاً، ولهذا عرف العلامة المختار بن بونه رحمه الله اللطف بقوله: واللطف إبراز الأمور جاء في صور أضداد كما ليوسف صيره رقاً لكي ينالا ملكاً وعزاً ربه تعالى وكثيراً ما تأتي تلك المنح الربانية لملتمسها في داخل المحنة، فحصار الشعب الذي فرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من أصحابه وبني هاشم وبني المطلب بمكة ودام ثلاث سنين ظاهره محنة ولكن باطنه منحة، فقد اختار الله لهم محضناً تربوياً يتربون فيه على قيم الإيمان ويعتزلهم فيه أهل الجاهلية، ويجدون به هجرة داخل بلادهم، وانقطاعاً عن كل مظاهر الجاهلية وفسادها حتى يحققوا قيم الإيمان من الإيثار والإخاء، والتعاون على البر والتقوى، والنصيحة لله ورسوله، والصبر والجلد في الحق، ولم يكونوا لينالوا هذه المدرسة لولا أن فرض عليهم هذا الحصار الجائر، فذلك من منحة الله سبحانه وتعالى.
وكل من أصيب ببلاء وهو من المؤمنين فهو عرضة لرحمة الله، فالله سبحانه وتعالى قد وسعت رحمته كل شيء.
وأحق الناس بالرحمة الضعفاء، ولذلك قال عيسى بن مريم فيما أخرج مالك في الموطأ وأحمد في الزهد عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقول:(لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله فتقسو قلوبكم؛ فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد، وإنما الناس مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية)، فأهل البلاء يستحقون الرحمة، ومن هنا من ابتلي فصبر فقد تعرض لنفحات الله سبحانه وتعالى ومنحه.