إن مظاهر الإجرام في هذه الأرض هي ارتكاب ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى من السيئات، وأعظمها الشرك بالله سبحانه وتعالى؛ فهو الذنب الذي لا يغفر، ثم ما دونه من الذنوب وأعظمها كبائر الإثم والفواحش، ثم ما بعدها من الصغائر التي دونها، فهذه هي الجرائم، لكن الناس في عرفهم لا يطلقون الجرائم إلا على المستبشعات من الأمور التي لم يعد الناس يألفونها، فالأمور المألوفة لدى الناس -حتى لو كانت أكبر في ميزان الشرع- لا يعدونها جريمة، إنما يعدون جريمة نكراء الأمر غير المألوف فيما بينهم؛ والسبب هو الاعتياد فقط، فالإنسان الذي يتعود على شيء يزول عنه ما كان يجده في نفسه من الكراهية له وعدم الاطمئنان به.
وها نحن الآن إذا سمعنا الرعد في السماء لم نرعب منه، لكن إذا سمعناه في الأرض يصيبنا منه رعب شديد؛ والسبب أننا قد ألفنا الرعد في السماء ولم نألفه في الأرض، لكن لا فرق بين الأمرين أصلاً، كل ذلك تخويف من الله سبحانه وتعالى.
وكذلك كسوف الشمس والقمر موعظة عجيبة وآية من آيات الله وتخويف منه {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}[الإسراء:٥٩]، لكن مع ذلك طلوع الشمس نفسها آية من آيات الله، والانفجارات الذرية التي فيها وعلى سطحها والتي يقع منها في كل ثانية ألفان وستمائة انفجار ذري في كل ثانية واحدة، هذا آية من آيات الله وموعظة عجيبة، لكن الناس ألفوا هذا وتعودوا عليه فلم يعد مهماً لديهم، بل لم يعد يسترعي انتباههم أصلاً، أما الأمر غير المألوف فهو الذي تتعلق به النفوس وترعب منه وترتاع له؛ ولهذا فإن الجرائم المتعلقة بالماديات أعظم عند الناس كثيراً من الجرائم المتعلقة بالمعنويات.