وبدايتها بالنية، فالإنسان ينتفض من هذه الدنيا ويخرج منها مقبلاً على الله سبحانه وتعالى، وعلامة نبذه للدنيا أنه إذا كبر تكبيرة الإحرام نبذ الدنيا بيديه وراء ظهره، ورفع اليدين هنا رمز لنبذ الدنيا وراء ظهره والإقبال على الله سبحانه وتعالى، ولهذا يجتهد في استقبال القبلة، ويجتهد في تسوية الصف؛ لأنه قد تخلص من الدنيا وأقبل على الباري سبحانه وتعالى، ولذلك لا يمتخط ولا يتفل أمام وجهه ولا عن يمينه، بل يجعل ذلك تحت رجله أو عن يساره.
ثم هذه النيات مقتضية كذلك لأن يسعى الإنسان لتنميتها؛ لأن هذه النية هي إكسير الأعمال، فهي التي تنميها بأضعاف مضاعفه أعني النيات التي ذكرناها في القدوم إلى المسجد، ونيات سواها، ونيات في أداء الصلاة نفسها بالتقرب إلى الله بما افترضه، وبمنافسة ملائكته، وباتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وبالتماس موعوده، وبالخوف من عقابه؛ كل هذه النيات مطلوبه شرعاً.
وإن ما يذكره بعض الناس من أن عبادة التجار كما يسمونها هي عبادة من يخاف العقوبة ويرجو الثواب إن ذلك التصور غير صحيح؛ لأن الله تعالى ذكر الأنبياء عليهم الصلاة السلام بقوله:{كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}[الأنبياء:٩٠] , وهم أكمل الناس حالاً.
وكذلك الذين رضيهم الله تعالى من عباده المؤمنين قال الله في وصفهم:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}[السجدة:١٦] , إن الخوف من الله والطمع فيه ليس نقصاً في الإيمان، بل هو من معرفته سبحانه تعالى؛ لأن من عرفه حق المعرفه عرف أنه لو اجتمع الإنس الجن في صعيد واحد فسألوه فأعطى كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك مما عنده إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر.
فمن هنا لزم أن ينوي الإنسان هذه النيات كلها في صلاته، فينوي أداء ما افترضه الله عليه، وينوي زيادة القرب منه والخشوع بين يديه والانتساب إليه، وينوي كذلك الخوف منه ورجاء موعوده والخوف من عقابه، وينوي كذلك منافسة الملائكة وأهل الخير في عبادته سبحانه وتعالى، فهو المستحق لهذه العبادة.