كذلك فإن عدم شعور المسلمين شعوباً وجماعات بما يصيب إخوانهم مظهر سافر من مظهر هذا الانقطاع، إن أغلب المسلمين اليوم لا يشعرون بالحرب المقامة على المسلمين، ولا يحددون موقعهم من الإعراب، هل هم من العمد أو من الفضلات في هذه الحرب؟ وأين موقعهم منها؟ بل لا يهتمون أصلاً بحال إخوانهم الذين تجمعهم وإياهم رابطة (لا إله إلا الله)، ويتفقون معهم في المبادئ والمناهي، وما يصل إليهم لابد أن يتعداهم إلى من سواهم.
إن كثيراً من الشعوب المسلمة قد مات ضميرها، فلم تعد تتحرك ولا تحس بأي شيء، وهذا الحال يذكرنا بوقت التجهيل الذي ساد قبل الاستعمار، عندما شاع الجهل في البلاد الإسلامية وأقبلت على ظلمات الجهل، فكان ذلك سبب الوهن الذي أصابها، وسبب غزو المستعمر الذي جابها، فإنما كان ذلك نتيجة جهل الشعوب بحقائقها، وانفصام عراها فيما بينها، فقد كان الناس إذ ذاك في وقت مجيء الاستعمار لا يحس أهل دولة منهم أو أتباع السلطان منهم بآلام سكان البلدان الأخرى.
فعندما أراد الفرنسيون احتلال الجزائر ودخلوها بجيوشهم وقواتهم في عام ثلاثين وثمانمائة وألف من الميلاد كان (البايات) في تونس عوناً للفرنسيين، وكان السلطان عبد العزيز في المغرب عوناً للفرنسيين.
وقد استفتى الأمير عبد القادر علماء المسلمين إذ ذاك فيما يفعله ملك المغرب من إمداد النصارى بالمؤن والعتاد، ومن قطعه العون عن المجاهدين ومحاصرتهم، استفتى الأمير عبد القادر علماء المسلمين في هذا الفعل فأفتى كثير منهم بأنه ولاء صريح للكفار، وعليه فيعتبر ناقضاً من نواقض الإسلام.
إن ذلك الحال الذي عاشوه إذ ذاك بسبب الجهل حصل نظيره اليوم، لا بسبب الجهل فحسب، بل بسبب المؤامرة الإعلامية التي تروج بين الشعوب المسلمة، فالإعلام يبرر هذه الحروب، ويظهرها في صورة حروب مقدسة، وأنها رد لعدوان ومحاربة للإرهاب وقضاء على المتطرفين، وأن فيها خيراً لأهل الأرض، ويخدعون الشعوب المسكينة غير الواعية بهذه المبادئ الزائفة، فيتصور الناس صحتها ويطبلون وراءها ويصفقون لها، وأقلهم حالاً الذي يسكت فلا تكون له مشاركة.