[تشريع البيوع والمعاملات المشابهة لها للحد من التغابن والظلم]
فشرع الله تعالى البيوع التي يقع بها التبادل بين الناس، فالضعيف إذا رأى حاجته أمكنه أن يتوصل إليها بالشراء، والقوي إذا رأى حاجته أمكنه أن يتوصل إليها بالشراء، ومن كان لديه مال يحتاج إليه ورأى ما يحتاج إليه عند غيره أمكنهما التبادل فيما بينهما بكل عدالة ونزاهه، وأن يعلموا أن ذلك إنما القصد منه الوصول إلى الرفاهية، والوصول إلى إشباع رغباتهم في هذه الحياة الدنيا، والتوصل إلى مرضاة الله في الدار الآخرة، وليس المقصود به حرمان قوم من هذا المعاش الذي جعله الله في الأرض، فما فيها من الأرزاق كاف لمن فيها من البشرية، لا يخلق الله من خلق فيضيعه.
فالرزق الذي خلقه الله في هذه الآرض كاف لأهلها، ففيها من الخيرات وأنواع المعادن وأنواع الزراعات وأنواع الثمار والأشجار ما يكفي أهلها، وفيها من المياه ما لا ينقضي إلا بموت أهلها، ومن هنا فإنها تكفي الأحياء والأموات كما قال تعالى:{أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً}[المرسلات:٢٥ - ٢٦] , فالأموات تكفتهم في بطنها، والأحياء تحملهم على ظهرها، وقد دحاها الله لذلك ووزع فيها أنواع الخيرات.
ومن هنا لو استغلت هذه الخيرات استغلالاً صحيحاً لكفت البشرية وقامت بحقوقها كلها، وقد أمرنا الله تعالى باستعمالها واستغلالها والمشي في مناكبها وأن نبتغي من فضل الله تعالى في ذلك، ولو اتبعت هذه الخطا التي حددها الشارع سبحانه وتعالى لحصل العدل وارتفع العسف والظلم بين الناس، ونال كل أحد منهم حقوقه وما يستحقه في هذه الأرض.
ومن هنا شرعت العقود التي تقضي على أنواع هذه الخدائع وأنواع الظلم والعسف مطلقاً، فجعل البيع بديلاً للربا، وجعل النكاح بديلاً للسفاح، وجعل الدَّيْنُ كذلك بالتي هي أحسن بديلاً للاسترقاق والظلم، ومن هنا جُعِل لكل وجه من أوجه الفساد بديل يناسب حال المجتمع ويلائمه ويسد عوزه، وهذا من حكمة الحكيم الخبير سبحانه وتعالى.