[ضرورة الصبر في درجات اليقين]
فإذا وصل الإنسان إلى هذا المستوى احتاج إلى التحقق بالصبر واليقين: فالصبر بالصمود والاستمرار على ما هو عليه والخوف من أن ينتكس: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:٦٠ - ٦١] فهؤلاء يعملون هذه الأعمال الجليلة ولكنهم يخشون أن ترد عليهم وألا تقبل منهم، فكل عمل عملوه يخافون ألا يتقبله الله منهم وأن يرده عليهم، ومن هنا فلا يصابون بالغرور، ولا يستعظمون أعمالهم أياً كانت، ويخافون من سوء الخاتمة، ومن الحور بعد الكور، وهم بهذا على وجل من عدم القبول.
أما من ركن إلى العمل، فقد وقع في جانب من جوانب الشرك وانحرف عن الجادة، وأخذ ذات الشمال عن السكة؛ لأنه ركن إلى العمل ولم يركن إلى من ألهمه هذا العمل ومن وفقه به، فيحس باتكاله على العمل ويلجأ إليه، والله تعالى يقول: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:١٧] فلذلك إذا ركن الإنسان إلى عمله وأعجب به، أو أحس بهذا العمل وأصبح يستشعره، فكثيراً ما يبتلى بالغرور، والمغرور لا يمكن أن يكون من جند الله المفلحين الذين سيبيض الله وجوههم، وستختار لهم منابر النور عن يمين الرحمن.
ثم بعد ذلك إذا استطاع الإنسان التحلي بالصبر، وحاول التحلي باليقين، بأن يكون المؤمن متنوراً بنور الله، بحيث تشرق نفسه، وتتخلى عن الأغلال بالكلية، فلا يحب إلا ما يحبه الله، ولا يبغض إلا ما يكرهه الله، ولا يرضى إلا ما يرضاه الله سبحانه وتعالى من عباده، فتصبح جوارحه مربوطة برضا الله سبحانه وتعالى متعلقة به، وتصبح بصيرته نافذة وتصوره صحيحاً؛ لأن الذي يجعل الإنسان يتصور تصوراً خاطئاً، أو يتوهم الأمور فلا تمشي على وفق ما يريد، أو يتخيلها على وجه فتكون على خلافه، هو الاستتار بغشاء الذنوب، والاستتار بأقذار هذه الدنيا وأوساخها، فإذا تخلص الإنسان من ذلك بالكلية أضاءت بصيرته، وأصبح نوراً على نور، فيزده الله نوراً كما قال الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ} [النور:٣٥].
وقد بين الله حال أولئك الذين يركنون إلى الأعمال وأنهم ظلام في ظلام، فقلوبهم مظلمة لاشتغالها عن الله سبحانه وتعالى وإعراضها عن الحق، وظواهرهم مظلمة لاشتغالها بالمعصية، فضرب لهم المثل، فقال في هذه السورة: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:٣٩ - ٤٠].
نسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينورنا بنوره، وأن يملكنا أنفسنا بخير، وألا يسلطها علينا بشر، اللهم آت أنفسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم ألهمنا رشدنا وأعذنا من شرور أنفسنا، واهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
اللهم ارزقنا معرفة بك يا أرحم الراحمين.
اللهم اشغلنا بك عمن سواك يا أرحم الراحمين.
اللهم ألهمنا رشدنا وأعذنا من شرور أنفسنا.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم استرنا بسترك الجميل اللهم استرنا بسترك الجميل اللهم استرنا بسترك الجميل.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.