قال:(حق كذا الوزن وما به التحقق) كذلك من مشاهد القيامة أن يؤتى بالموازين القسط فيوضع الميزان، وقد اختلف هل هو مفرد أم جمع، لأن الآية جاء فيها:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}[الأنبياء:٤٧]، والموازين جمع ميزان، فقيل سمي بذلك لضخامته ولأنه في اللحظة الواحدة توزن فيه أعمال الخلائق، وهذا لا تدرك كيفيته، لكنه كفتان ولسان، هذا اللسان اختلف فيه هل هو لسان يتكلم به، أو هو لسان كلسان الميزان الذي يكون بين الكفتين فيعرف به ميلهما واعتدالهما.
وعموماً فإن بعض الناس تثقل موازينهم، وبعض الناس تخف موازينهم، أي: موازين الحسنات، {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}[المؤمنون:١٠٢ - ١٠٣] نسأل الله السلامة والعافية.
وهذا الوزن تجسد له الأعمال أو توزن فيه الصحائف، وهي بحسب قيمتها عند الله سبحانه وتعالى لا بحسب ثقلها المادي المعتبر؛ ولذلك فإنه يؤتى بالعبد يوم القيامة ويؤتى بصحائف سيئاته قد سدت الأفق ويؤتى برقعة قدر الظفر كتب فيها (لا إله إلا الله) فيقول: يا رب وما تغني هذه عن الصحائف، فيقول: إنك لا تظلم شيئاً.
فيؤمر بالصحائف فتوضع في كفة السيئات، ويؤمر بلا إله إلا الله فتوضع في كفة الحسنات، فترجح بها لا إله إلا الله فتطيش الصحائف وتتطاير وترجح بها لا إله إلا الله إذا قبلت.
ورجحان الأعمال يوم القيامة بحسب قبولها عند الله، ولهذا لا يستطيع الإنسان أن يجزم فيها بشيء بل يبقى بين الخوف والرجاء؛ لأنه قد يتقبل منه وقد لا يتقبل، ولذلك قال ابن المبارك: لئن علمت أن الله قبل مني حسنة واحدة لأيقنت بدخول الجنة.
فينبغي للإنسان أن يحرص على أن يسأل الله قبول العمل، كما كان الأنبياء يفعلون، {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[البقرة:١٢٧].
قوله:(وما به التحق)، أي: ما التحق بالوزن من إعطاء الكتب بالأيمان وبالشمائل من وراء الظهور ونحو ذلك.