وكذلك من العناء الذي لقيه المختار بن بونة رحمه الله في فهم النحو أيضاً مثال من أمثلة التضحية في سبيل العلم.
فإن المختار رحمه الله درس الآجرومية فلم يفهمها، ثم درسها فلم يفهمها، فخرج مغموماً مهموماً فجلس تحت ظل شجرة، فرأى نملة تصعد تريد قطعة شحم صغيرة على رأس قضيب فإذا توسطت في القضيب سقطت، ثم عادت من جديد تصعد فإذا توسطت في القضيب سقطت، حتى أعادت سبعاً فوصلت النملة، فقال المختار: لن تكون هذه النملة أقوى مني همة.
فرجع فقرأ الكتاب سبع مرات ففتح له في النحو وكان إماماً فيه.
ولكنه مع ذلك عود طلابه وأصحابه أيضاً على التضحية في سبيل العلم، وقد كانوا يشكون من عناء أسفاره، وكان رجلاً مولعاً بالسفر لا يستقر يومين متواليين في مكان إلا أراد الانتقال منه والسفر.
ولذلك يقول أحد طلابه: لك الله من شيخ إذا تيممت تلاميذه مأوى لنصب المدارس يفزع نون البحر طوراً وتارة يدهده جحر الضب في رأس مادس فتارة يذهب إلى (تيرس) وتارة يقطع نهر السنغال إلى أفريقيا، وكثير من هؤلاء قد لقوا عناءً كبيراً في هذه الأسفار، فكان المختار رحمه الله دائماً في سفر والطلاب يصحبونه في سفره، ولذلك يصف نفسه وطلابه بقوله: قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة فيها نبين دين الله تبيانا والعيس هي الإبل.
وكذلك فإن العلامة مولود بن أحمد الجواد رحمه الله سافر أيضاً إلى بلاد السودان، ولم يكن يحسن السباحة، فكان مع قوم يحسنونها، فدخلوا في النهر وكان عليه أن يغامر كما غامروا فخاض البحر ليصل إلى منتهاه لقوة همته، ولم يكن له أية خلفية في السباحة قبل ذلك.