[العدة التي يقاوم الإنسان بها كل الجبهات هي الصبر]
ما هي عدة الإنسان إذاً في وجه كل هذه الجبهات المفتوحة عليه، وهذه الأعراض الملمة به في مدته اليسيرة في بقائه في هذه الحياة؟ لابد أولاً أن يستحضر أن مدة بقائه في هذه الحياة هي مدة بقائه في سفر يسافره، فهو مسافر وانتفاعه بما ينتفع به مما في هذه الدار كانتفاع المسافر في ظل شجرة ينتظر الزوال لينطلق، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما لي وما للدنيا، إنما أنا كراكب استظل بشجرة).
فإذا عرف ذلك استطاع حينئذ أن يبحث عن عدة يستعين بها في مسيرته وحياته، وهذه العدة هي الصبر! وهذا الصبر طاقة ربانية وقوة هائلة سخرها الله لعباده المؤمنين؛ ليتغلبوا بها على كل هذه العراقيل وعلى كل هذه المشكلات والجبهات المفتوحة عليه، وبدونها لا يستطيع الإنسان الانتصار على أية جبهة من الجبهات.
فلابد إذاً أن يراجع الإنسان عدته هذه وأن يهيئها، فكثير من الناس يعدم هذه العدة بالكلية، فيعيش في هذه الحياة مع ما ذكرنا من المشكلات والجبهات أعزل ليس لديه أي سلاح للدفع ولا للاستحقاق، ومنهم من يكون صبره ضئيلاً ممزقاً يصدق فيه ما قال عبد الملك بن مروان للرجل الذي رأى عليه مجنه خلقاً فقال له: لمجن ابن أبي ربيعة خير من مجنك.
ومنهم من يكون صبره أقوى من ذلك في مجال التعامل مع الله، ولكنه ضعيف في مجال التعامل مع الناس، ومنهم من يكون صبره قوياً في التعامل مع الناس، ولكنه ضعيف في التعامل مع الله، ومنهم من يقوي صبره ويستطيع أن يسد خلاته وخروقه، فكلما انخرق عليه الصبر من جانب سد ذلك الخرق وقواه، فيكون صبره قوياً يملك به نفسه، والسعيد من ملك نفسه.