فمن كان غير ورعٍ وغير متقٍ للشبهات وغير متقٍ للحرام والمكروهات فلا يمكن أن يحصل على علم؛ لأن هذا العلم نورٌ، والنور يفر من مكان الظلمة، فمن أراد أن يوقد نوراً في مكان فليختر أصقل مكان، وليختر الزجاج الصقيل المضيء، فهو الذي تحسن فيه الإنارة، وأما المكان المظلم الأسود الموحش فإنه لا يستقر فيه النور، ومن هنا فإن على الإنسان الذي يريد طلب العلم أن يجتهد في الورع، وأن يتقي الحرام، وأن يتقي المكروهات والمشتبهات، وبذلك لا يفر منه هذا العلم، بل يستقر في صدره.
ويروى عن الشافعي رحمه الله أنه قال: شكوت إلى وكيعٍ سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يعطى لعاصي ويروى عنه رحمه الله أنه قال: أتيت مالكاً فجلست إليه، فلما انفض المجلس دعاني فتبعته، فقال: يا بني! إني أرى أن الله قد قذف في قلبك بشيء من نوره فلا تطفئه بظلمة المعصية.
فنصحه بهذه النصيحة البالغة، ومن هنا فإن صاحب المعصية ذليل، وصاحب العلم عزيز، فإذا اجتمعت الذلة والعزة اجتمع ضدان، وإذا اجتمع الضدان فإن النتيجة تتبع الأخس دائماً كما يقول المناطقة، فيكون الإنسان حينئذ متدنياً إلى أسفل الدرجات، ومن أجل هذا كان الذين يضلون الناس بالعلم أخطر عليهم وأكثر ضرراً من الذين يضلون عن جهل، ولهذا كان عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى كثيراً ما يقول: وهل أفسد الدين إلا الملوكُ وأحبار سوء ورهبانها فأحبار السوء والرهبان الذي ليس معهم ورع يبيعون ما معهم من العلم، فيفتون على مقتضى ما تملي عليهم سيادة أسيادهم، وبذلك يَضِلون ويُضلون.