قال الله تعالى:{وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ}[محمد:٣٦ - ٣٧].
ثم أكد بعد ذلك على الإنفاق فقال:{هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}[محمد:٣٨]، وقد عطف الله سبحانه وتعالى هذا الامتحان على الامتحان بالإيمان، فقال تعالى:{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}[الحديد:٧].
وهذه الآية فيها تلميح عجيب!! بيّن الله فيه: أن كل ما في هذه الدنيا من الأموال والمنافع هو من الخلق الذي خلقه الله في الأيام الأولى من خلق العالم، فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه:{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}[فصلت:٩ - ١٠]، فكل أقوات الأرض وما فيها من الأموال والمنافع، كانت قد خلقت في الأيام الأولى من خلق العالم، فلم تنقص بعد ذلك، فما يأكله الناس منها راجع إلى الأرض، يخلفه الله سبحانه وتعالى فيما بقي في الأرض {كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا}[المرسلات:٢٥ - ٢٦]؛ ولكنه دولة بين الناس، يخرج من يد هذا ليصل إلى يد هذا إما بالبيع وإما بالتفليس وإما بالسرقة وإما بالغصب، وإما بالميراث، كحال المساكن في هذه الأرض، فما من بيت معمور اليوم بالسكان إلا وقد سكنه سابقون، وسيسكنه لاحقون، وهكذا أمر الدنيا كلها، فإذا كان الأمر كذلك فعلينا أن نعلم أن ما تحت أيدينا ليس ملكاً لنا؛ ولهذا قال الله تعالى:{مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}[الحديد:٧]، فأنت مستخلف أي: خالف لمن سبقك، ومخلوف أيضاً فيما تحت يدك، وستسلمه لآخرين إما طوعاً وإما كرهاً، ومن هنا يعلم أن الله ما ملكنا الأموال:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}[الأنفال:١]، فالله تعالى لم يملكنا الأموال، وإنما استخلفنا فيها، فجعلها تحت أيدينا أمانة عندنا، ووكالة فقط، والوكيل ينتظر العزل في كل حين؛ ولذلك فعزله إما بالموت، وإما بالحجر، وإما بالفقر، كل ذلك عزل للإنسان عن التصرف فيما تحت يده، ولا يدري الإنسان متى يقع ذلك: وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعول