للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فوائد الإنفاق]

إن الإنفاق له فوائد أخرى غير الجوائز الأخروية التي فيها ثقل كفة الحسنات: فبه كذلك رفع الدرجات في الدنيا، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اليد العليا خير من اليد السفلى)، فالمنفق خير من المنفَق عليه؛ وكذلك هو مدعاة للغنى، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يقول الله تعالى: يا ابن آدم! أنفق أُنفق عليك)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وملكان ينزلان، يقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: أعط ممسكاً تلفاً) هذا في كل يوم تطلع فيه الشمس، ملكان ينزلان يرسلهما الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن يدعو الملك إلا بما عين له كالشفاعة لا تكون إلا بإذنه: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء:٢٨]، فلا يمكن أن يدعو الملك إلا لمن أذن الله بالدعاء له.

ثم إن من فوائد الإنفاق الدنيوية أنه يرد الله به البلاء، فإن الصدقة تصطرع مع البلاء في السماء، وترده عن أهل البيت؛ ولهذا رتب الله على ابن آدم ثلاثمائة وستين صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، مقابل ما فيه من المفاصل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس)، وفي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله خلق ابن آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، وجعل على كل مفصل صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس)، في كل مفصل من المفاصل، سواء كانت مما يعرفه الأطباء، ومما يدرك بالتشريح، أو كانت من المخفيات التي لا تعرف بالعين المجردة، فإن كل تلك المفاصل -عظيمها ودقيقها- رتب الله عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، ويجزئ من ذلك أن يصلي المؤمن ركعتين وقت الضحى، فركعتان وقت الضحى تقومان مقام ثلاثمائة وستين صدقة؛ لكن لا شك أن هذا الترتيب هو إرشاد للعبد، ونفع له، وتقوية لهذه الجوارح، وسعي لتمتيعه بها، ودفع للضرر عنها، فما أحوجنا إلى مثل هذه الصدقات التي ترفع البلاء عن أهله في الدنيا، وترفع المنازل وتطفئ غضب الرب سبحانه وتعالى، وهي مع ذلك تضمن للإنسان الزيادة؛ فالصدقة لا تنقص المال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال)، فالصدقة لا تنقص المال، بل تزيده، وما يبذل الإنسان من المال؛ ابتغاء مرضات الله سبحانه وتعالى مخلوف عليه قطعاً، لا بد أن يناله في هذه الحياة الدنيا، فضلاً عن أجره يوم القيامة، والله سبحانه وتعالى غني عن دراهم الناس ودنانيرهم، وأعطياتهم وإمدادهم، وإنما امتحنهم ليعلم الذين يؤثرون الآخرة على الأولى، ويتقربون إليه بما آتاهم.