وبدأ في المسألة الأخرى وهي تحديد الإيمان وتعريفه: والإيمان في اللغة: مصدر آمن، تطلق معداة باللام ومعداة بالباء، فالمعداة باللام معناها التصديق فيقال:(آمن له) بمعنى: صدقه فيما يقول، ومنه قول الله تعالى في قصة إخوة يوسف:{وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}[يوسف:١٧]، أي: وما أنت بمصدق لنا ولو كنا صادقين.
وترد أيضاً معداة باللام بمعنى التسليم، فيقال:(آمن له) بمعنى سلمه أو حفظ غيبه فلم يتكلم في عرضه ولم يلمه في غيبته، ومنه قول الله تعالى في سورة التوبة:{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}[التوبة:٦١]، (يؤمن للمؤمنين) معناه: يأمنونه بظهر الغيب فلا يعتدي عليهم ويسلمهم.
ولذلك تلاحظون أنه فرق بين التعدية بالباء والتعدية باللام، قال:(يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين).
وأما قوله تعالى:{فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ}[العنكبوت:٢٦]، فإن اللام هنا ليست هي اللام التي كنا نذكرها في تعدية (آمن)، وليس المقصود بذلك أن لوطاً صدقه أو أنه سلمه بظهر الغيب، وإنما المقصود بذلك أن لوطاً آمن وكان ذلك له، أي: في ميزان حسنات إبراهيم، أو: اتباعاً له، فآمن اتباعاً له لوط، فمفعول آمن هنا محذوف معناه: فآمن بالله لوط له، أي لإبراهيم، والمعنى: اتباعاً له.
وأما (آمن) المعداة بالباء فإنها تقتضي زيادة على التصديق وهو التصديق الجازم الذي لا يقبل الشك، والذي يقتضي عملاً، ولهذا لا يحل أن تعدى (آمن) بالباء إلا على ما هو ركن من أركان الإيمان، فتقول: آمن فلان بالله أو آمن بالرسول أو آمن بالكتاب أو آمن باليوم الآخر أو آمن بالملائكة أو آمن بالقدر، لكن لا يحل أن تقول: آمن بفلان من الناس، بمعنى: صدقه، ولا أن تقول: آمن بالمذهب الفلاني؛ لأن هذا وإن كان تصديقاً لكنه لا يقتضي الجزم، لكن يجوز أن تقول: آمن للمذهب الفلاني، أو آمن للخبر الفلاني، أو آمن لفلان، بمعنى: صدقه، لكن تعديتها بالباء تقتضي التصديق الجازم الذي لا يقبل الشك ويقتضي العمل، فلذلك تقصر على ما يجب الإيمان به مطلقاً.