[انقسام التزكية إلى تخلية وتحلية والكلام على التخلية]
بعد أن عرفنا أهمية العناية بتربية النفس وتزكيتها، بقي أن نعرف أن تزكية النفس تنقسم إلى قسمين: إلى تخلية وتحلية.
والتخلية هي: تطهيرها من الأوصاف الذميمة.
وهذه الأوصاف الذميمة بعضها يتعلق بالأخلاق والعادات وبعضها يتعلق بالتصورات التي ترسخ والمفاهيم التي تسبق إلى التصور، فالجانب الأول ما يتعلق بالأخلاق والعادات، تفاوت الناس فيه هو تفاوتهم في الإيمان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) ومن هنا فإن الذي يتجنب الأخلاق الذميمة، ويراقب نفسه فيها ويعاقبها عقاباً شديداً إذا حصل منها خلل أو خطأ؛ هو الذي يستطيع أن يزكيها وينميها.
(خاصم أبو ذر رضي الله عنه رجلاً من إخوانه المؤمنين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فعيره بأمه، فقال: يا ابن السوداء، فلقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية) فندم أبو ذر ندماً شديداً حتى أتى الرجل، فوضع عنقه على الأرض وأقسم بالله ليضعن رجله على عنقه عقاباً لنفسه، على أن صدر منها مثل هذا الخلق الذميم، فاستطاع أن ينتصر على نفسه وأن يتغلب على هذا الخلق وأن يتخلص منه، لعلمه أنه من أخلاق الجاهلية، ولهذا فإن النفس، هي بمثابة طفل صغير يتعود على أنماط من العيش والحياة، وإذا عولجت تلك الأنماط تغيرت، وإذا استمر عليها صعبت عليه مفارقتها، كالرضاعة مثلاً، فإنه يتعودها من بداية نشأته، وعند تمام الحولين يشق عليه الفطام، ولكنه ما إن تمضي أيام قليلة حتى يتعود على ترك الرضاعة، ولهذا قال البوصيري رحمه الله: والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم فكذلك هذه الأخلاق الذميمة، مالم يطلع الإنسان عليها أولاً ويتحقق أنها موجودة لديه ويتعرف على أوصافها وأعراضها فلا يمكن أن يعالجها، لأن من لا يشعر بمرض لا يهتم بعلاجه، ومن هنا احتاج الإنسان إلى أن يتابع الأوصاف الذميمة وأن يتعرف عليها وعلى مظاهرها حتى يتقيها، وإن استطاع أن يتخلص من الأوصاف الذميمة سواءً كانت في الأخلاق أو العادات فقد زكى نفسه.
فهذا هو الجانب الأول من التزكية الذي هو التخلية، لأن التخلية سابقة على التحلية.