تاسعاً: أن يتذكر الإنسان أن الناس لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم حياة ولا موتاً ولا نشوراً: (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج:٧٣]، وأنهم إنما تسلطوا عليه بتسليط الله تعالى لهم، ولولا تسليط الله لما استطاعوا الوصول إلى شيء من ذلك، وأن النمل إذا سلطه الله كان كالأسود، وإذا لم تسلط الأسود فلا ضرر يخشى منها: ما للورى بدفاع جندك طاقة نمل مسلطة ضراغم عثَّرَ فإذا تذكر الإنسان هذا الحال هان عليه ما يلقاه من المخلوقين، ولم يغتر بأي وعد منهم، ولم يحزن لأي وعيد، فهو يعلم أن قلوبهم بين إصبعين من أصابع الرحمن، وأن أرواحهم في قبضة يده متى ما شاء أخذها، وأنهم لا يمكن أن يصلوا إليه بشيء إلا بشيء قد كتب عليه من قبل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
فليتذكر الإنسان أن الذين يخاف من بطشهم ونكالهم هم عرضة للموت في كل حين، وعرضة لزوال الأمر، وعرضة لتغير القلوب والآراء، وليتذكر أن قلوبهم بين إصبعين من أصابع الرحمن متى شاء غير آراءهم وغير اتجاهاتهم، وكل ذلك قريب جداً، ومن هنا فلن يغتر بوعدهم، ولن يحزن لوعيدهم.