الأديان السابقة كانت إعداداً لهذا الدين
فإن الله عز وجل سمى هذا الدين الذي أرسل به هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة دين الإسلام، وختم به الديانات السابقة، وجعله الدين الحق عند الله سبحانه وتعالى، فكل ما سواه من الأديان بعد نزوله وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم به مردود على أصحابه لا يتقبل الله منه شيئاً.
وإن الله عز وجل لم يرض للبرية إلا هذا الدين، وإنما جعل الأديان السابقة إعداداً له فقط؛ لأن البشرية خلقها الله تعالى متدرجة، فلم تصل إلى نضجها ولم تكتمل أطوار حياتها إلا في الطور الذي بعث فيه محمد صلى الله عليه وسلم، أما قبل ذلك فما زالت البشرية تتقدم في أطوار حياتها كتقدم الصبي في نماء بدنه وعقله وتطور معارفه، وهو يحتاج في كل طور إلى ملابس جديدة تتناسب مع حجمه وإلى تغذية تتناسب مع واقعه وصحته.
وكذلك هذا الدين، فإن الله كان ينزل منه في كل فترة ما يتناسب مع الطور الذي تمر به البشرية ويعلم نهاية ذلك الطور، وأن ذلك الدين لا يصلح لما بعد ذلك الطور، فإذا انتهى ذلك الطور نسخ الله تلك الشريعة وأتى بشريعة جديدة تطور سابقتها أو تنسخها وتلغي أكثر أحكامها.
ومن هنا فإن الشرائع السابقة تنقسم إلى قسمين: الأول: شريعة مطورة.
أى: مكملة لسابقتها مبيحة لبعض ما حرمته ومحرمة لبعض ما أحلته، كشريعة عيسى مع شريعة موسى.
الثاني: شريعة جديدة ناسخة لسابقتها بالكلية، كشريعة موسى مع شرائع من قبله من الرسل.
وإن رسل بني إسرائيل إنما كانت شرائعهم مجددة لشريعة موسى، ولهذا قال الله وتعالى حكاية عن عيسى بن مريم عليه السلام: {وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران:٥٠].
أما شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فإنها ناسخة لكل ما سبق، ولهذا قال الله تعالى: {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} [المائدة:٤٨] , وقال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩] , فما سواه من الأديان ليس ديناً كاملاً مستقراً عند الله عز وجل وإنما هو دين آني مؤقت ذو فترة محددة لا يتعداها، ولهذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف لنا الفترة التي بعث فيها، كما أخرج مسلم في الصحيح من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى عليه وسلم قال في خطبة طويلة: (إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم غير بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك).
وكذلك فإنه صلى الله عليه وسلم جاء على فترة من الرسل، كما جاء ذلك مرتين في سورة المائدة، وأخبر أنه بعث في الأميين -في الجاهلية- على فترة الرسل واقتراب الساعة وجهالة الناس، فجاء بهذه الحنيفية السمحه التي هي الدين الحق عند الله سبحانه وتعالى، والتي لا يقبل الله من أحد وصلت إليه سواها من الدين، ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي إلا كبه الله على وجهه في النار).
فارتضى الله تعالى هذا الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون إماماً للبشرية، وارتضى هذا الدين الذي جاء به للبشرية بحذافيرها فهو صالح لكل زمان ومكان، ومشروط على الناس أن يأخذوا به ويتبعوه.