من تمام الإيمان بالقرآن التصديق بما فيه من الخبر، سواءٌ أكان خبراً عما مضى أم خبراً عما يأتي في المستقبل، وكذلك معرفة ما فيه من الآيات، وعدم ضرب بعضه ببعض، وعدم اتباع ما تشابه منه، وأن يحكم محكمه وأن يؤمن بمتشابهه، وأن لا يعرض عنه الإنسان.
كذلك من تمام الإيمان به قراءته وعدم الإعراض عنه، فالذي ليس في قلبه منه شيء كالبيت الخالي، ومن هنا كان على المؤمنين جميعاً أن يعلموا أولادهم هذا القرآن في صباهم، وأن يحببوه إليهم، وأن لا يجعلوهم ينفرون منه، وكثير من الذين يعلمون القرآن مع الأسف ينفرون الصبيان من القرآن، فيجعلونه وقتاً للمشقة والإهانة والضرب والتعذيب والتحقير، فينشأ الصبي مبغضاً للقرآن غاية البغض، وهذا -نعوذ بالله- سوء تربية، بل على الذين يعلمون الناس القرآن أن يعلموا أنهم ذووا مسئولية عظيمة، وأنهم أفضل هذه الأمة وخيرها؛ لما أخرجه البخاري في الصحيح عن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(خيركم من تعلم القرآن وعلمه) , وهو يعلم أنه وكيل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعليم القرآن، وأنه أمين من عند الله على كتابه، فيتشرف بهذه المسئولية، ويحرص عليها تمام الحرص، ويحاول أن يحبب هذه المادة إلى قلوب الصبيان، وأن يجعلهم يتنافسون فيها بأنفس رفيعة، ويعلمون أن مستوى فضلهم هو المستوى الذي وصلوا إليه وحصلوا عليه من القرآن، فإنه يقال لقارئ القرآن يوم القيامة:(اقرأ وأرق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها).
ومن هنا ينبغي أن نغير النظرة في تعليمنا لأولادنا القرآن، وأن نحاول أن نحببه إليهم بمختلف الوسائل، وأن نجعله مكاناً للتنافس في الخير، وأن نحبب إليهم تدبره وتفهمه، وأن لا نجعلهم يحفظون حروفه دون حدوده، وكثير من الناس -مع الأسف- لا يعتني بحروفه ولا بحدوده، فالصبيان يحفظونه هذرمة ولا يتقنون تجويد آية منه، والذين يدرسونه أيضاً لا يهتمون بتفسيره، تمر عليهم الآية عدة مرات وهم لا يفقهون كلمةً فيها، ولا يسألون عنها، ولا يبحثون عنها في أي تفسير، وهذا من رفعه؛ لأن الإعراض عنه وعدم تحكيمه بالنهار وعدم القيام به في الليل من رفعه.
فإن من الإيمان بالكتب المنزلة الإيمان بأن هذا القرآن سيرفع، يسرى عليه فيمحى من الصدور والمصاحف، وذلك إذا جاء أمر الله كما قال تعالى:{وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}[الإسراء:٨٦] , وقد جاء في الأحاديث:(أنه سيسرى عليه في ليلة من الليالي، فيمحى من الصدور والمصاحف)، فهذا هو الركن الثالث من أركان الإيمان.