قال الله:{وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}[القصص:٧٧]، إن على الأغنياء أن يستشعروا أن الله عز وجل هو الذي قسم هذه الأرزاق، ولم يقسمها على أساس عقل، ولا على أساس علم، ولا على أساس جاه، ولا على أساس قوة بدن، وإنما قسمها لحكمة، وجعلها امتحاناً ومسئولية، فمن آتاه الله هذا المال فعليه مسئولية عظيمة تجاه الفقراء، خاصة إذا جعل الله أرزاقهم تحت يديه، وولاه عليهم، واستخلفه على أرزاقهم، فهو سبيل من سبل الخير، وطريق من طرقه، إما أن يستكثر وإما أن يستقل.
ولهذا فإن الذين جعل الله أرزاق الناس تحت أيديهم إن أحسنوا نالوا أجور كل من انتفع بما تحت أيديهم من المال، وإن أساءوا فإنه سيكتب عليهم أوزار أولئك الذين منعوهم ما يستحقون، وحالوا بينهم وبين ما خلق الله لهم، وهذا يبين أصلاً شرعياً كبيراً ينبغي أن يدخل فيه كثير من القواعد، فمن أجله حرم الله الربا، ومن أجله حرم الله الاحتكار، ومن أجله حرم الله الإسراف، ومن أجله حرم الله الغش والخيانة، ومن أجله حرم الله سبحانه وتعالى الجهالة في البيع، ومن أجله حرم الله سبحانه وتعالى المكوس وغير ذلك من أنواع الإفساد في الأرض.
فهذه الأصول ما حرمت إلا من أجل المسئولية التي هي على الأغنياء تجاه الفقراء، وإذا استشعروها فإنهم سيستصلحون المال لا لأنفسهم، بل سينفقون على عدد كبير من الناس، وسيزداد التكافل بذلك بين الناس، ومن أجل هذا شرع الله سبحانه وتعالى الزكاة في المال، وجعلها واجبة على الأغنياء، تؤخذ منهم وترد على فقرائهم، وهي حق في المال نفسه، وشرع كذلك حقوقاً أخرى في المال، ففي المال حق غير الزكاة كما صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وذكر من تلك الحقوق: أن يحتلب الناس من ضروع مواشيه إذا أوردها على المياه، ومن هذه الحقوق: الصدقة من الزرع إذا بدا صلاحه كقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأنعام:١٤١]، وهذا الحق الذي يجب يوم الحِصاد، قال أكثر المفسرين: هو غير الزكاة الواجبة؛ لأن الزكاة ليست واجبة في يوم الحصاد بعينه، وهذا حق زائد عليها، وهو صدقة شكر على ما أخرج الله لنا من الثمرات.